قبل فترة وجيزة، أطلق الأمير الحسن بن طلال رئيس «مجلس الأمم المتحدة الاستشاري للمياه»، تقريراً استراتيجياً حساساً حمل عنوان «التعاون في مجال المياه من أجل عالم آمن» ركز على منطقة الشرق الأوسط. ورافق إطلاق التقرير انعقاد مؤتمر دولي استضافته «الجمعية العلمية الملكية» و «مجموعة الاستشراف الاستراتيجية»، مع دعم من «الوكالة السويدية للإنماء الدولي»، وحضور الأميرة سمية بنت الحسن. وأشار التقرير إلى أن التعاون المائي يجب ألا يقتصر على إبرام اتفاقيات، بل يجب أن يقترن بالزام سياسي في تنفيذ المعاهدات والاتفاقات، معتبراً أنه لا يكفي مجرد التوقيع على معاهدة للتعاون في شأن المياه. وحذر التقرير من تعرض معظم البلدان في الشرق الأوسط لخطر حدوث نزاعات بسبب تجنبها التعاون الإقليمي في المياه، مشيراً إلى توقيع مجموعة من المعاهدات التي لم توصل إلى التعاون الفعال في هذا الشأن. من يطفئ نار النزاع؟ خلال المؤتمر، أشار الحسن بن طلال إلى أن الصراع على الموارد هو بقدم الإنسانية نفسها، متوقعاً أن تكون نزاعات القرن 21 مستندةً إلى الصراع على المياه، خصوصاً أن التغيرات المناخية والنمو السكاني والتلوث البيئي، هي أمور تدفع إلى تزايد الطلب على المياه بـ40 في المئة من مخزونها حالياً بحلول عام 2030. وأكد ابن طلال أهمية العمل على ألا تكون المياه نقطة اشتعال في المناطق الجافة المفتقرة إلى مصادر المياه، ما يتطلب تعاوناً في جمع المعلومات وإدارة البرامج المشتركة. ولاحظ أن غياب التعاون العميق من شأنه أن يحبط إمكان تحقيق تغيير ملموس في البيئة والعلاقات بين الدول. وأشار إلى أن تقرير «التعاون في مجال المياه من أجل عالم آمن» يثبت أن الدول التي تتعاون في إدارة مصادر المياه المشتركة، لا تدخل في نزاع مهما كانت الأسباب. وأضاف: «في دراسة أجرتها «مجموعة الاستشراف الاستراتيجية» وشملت 148 دولة وأحواضاً مشتركة لـ 205 أنهار، ظهرت أدلة على تعرض 37 دولة للدخول في نزاعات لأسباب عدة، وهي دول لا يوجد بينها تعاون مستمر لإدارة مصادر المياه المشتركة بينها. وتحمل هذه المعلومات إشارة ضمنية إلى الموضوع الأساسي للمؤتمر، وهو السلام والأمن اللذان يحتاجهما الأفراد والأمم والإقليم لبناء حياة عادلة وكريمة». وحذر من خطورة أن يتصدر إقليم غرب آسيا قائمة النزاعات حول المياه. وشدد على إمكان تجنب الكلفة الكبيرة للنزاعات في إقليم غرب آسيا، في حال تمكنت دوله، من العمل سوية في شؤون المياه. وقال: «يمكن للدول أن تعمل سوية لبناء مستقبل جديد وآمن، على أساس التعاون في إدارة المصادر المائية المشتركة بينها. ويشكل الأردن مركز ما أسميه «قوس الأزمة». إذ ليس من المصادفة أن 13 من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية يأتي ترتيبها ضمن الدول ذات الوضع المتأزم مائياً... إن المواطن في الضفة الغربية يستهلك 70 ليتراً يومياً على رغم أن «منظمة الصحة العالمية» توصي باستخدام 100 ليتر للفرد. (ويحدث هذا) على رغم تواجد أبناء الضفة فوق المياه الجوفية لمنطقة «الجبل» وهي الأكبر في بلاد الشام». وجدد ابن طلال مطالبته الدائمة بإيجاد هيئة عابرة للدول، لتحقيق التعاون في مجال المياه والطاقة، وهما أمران من أولويات الحياة اليومية للناس. «مبادرة السلام الأزرق» في المؤتمر عينه، ألقت الأميرة سمية بنت الحسن كلمة استهلتها بالإعراب عن سعادتها بتنبه الأجندات السياسية للمنطقة لأهمية المياه، بطريقة لم تحدث من قبل. ولفتت إلى أن «مبادرة السلام الأزرق» تأتي في مقدم الجهود الساعية إلى التنبيه لأهمية المياه، معتبرة المؤتمر جزءاً من تلك المساعي عبر ما ضمه من برلمانيين وخبراء في المياه، وصناع القرار، وممثلين لوسائل الإعلام. ولفتت إلى التزام «الجمعية العلمية الملكية» بأداء دور رئيـــسي في العـــمل على قضايا المياه في الممــــلكة والمنــــطــــقة، وكـــذلك سعـــي الجمعيــــة لإيجاد شراكات جديدة مع من يحملون قلقاً عميقاً حيال التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط. وبينت الأميرة أن «مجموعة الاستشراف الاستراتيجية» استحدثت «مبادرة السلام الأزرق» التي تقترح عملية استباقية للتعاون في مجال المياه، مع استراتيجيات للتعاون المستدام. وأوضح صنديب واسليكر رئيس المجموعة، أن التقرير الذي أصدرته مجموعته يوضح العلاقة القوية بين درجة التعاون في مجال المياه من جهة والمناخ العام للسلام بين بلدين أو أكثر من جهة أخرى، ما يوفر دليلاً على وجود مشكلة أهملت لفترة طويلة جداً، على رغم أنها تقدر على التسبب في مزيد من التعقيدات مستقبلاً. وبين أن التقرير خرج بضرورة إدراك أن أي دولتين تتعاونان في مجال المياه لا تذهبان إلى الحرب لأي سبب من الأسباب. وكشف واسليكر أيضاً أن من بين 148 دولة شملها تقرير «التعاون في مجال المياه من أجل عالم آمن»، هناك 37 دولة قيد خطر الدخول في حروب بسبب قضايا أخرى غير المياه، على غرار الأرض والدين والتاريخ والأيديولوجيا، معتبراً أنها ليست صدفة أن تكون هي نفسها الدول التي لا تنخرط في تعاون مائي مع جيرانها. وذهب إلى القول إن ما يزيد على 100 من البلدان التي تعزز التعاون فعلياً في مجال المياه، تتمتع أيضاً بعلاقات سلمية وآمنة مع البلدان المجاورة لها، ما يعني وجود ترابط بين قضيتي المياه والسلام. وأشار إلى أن تنامي الإجماع الدولي حول أهمية المياه باعتبارها أداة للتعاون، وفق ما توحي تسمية الأمم المتحدة لعام 2013 سنةً للتعاون المائي، لا ينفي وجود عدد من المحللين ممن يصورون المياه بوصفها مصدراً محتملاً للصراعات. ولفت الدكتور محمود أبو زيد، رئيس «المجلس العربي للمياه»، إلى أن البلدان العربية تعرف بأنها مناطق جافة بسبب شح مياهها، وارتباط مصادرها المائية مع مصادر المياه في دول أخرى، عبر الأنهار والأحواض المائية. واعتبر أنه من أسباب المشكلات بين الدول، يأتي عدم وجود اتفاقات دولية بينها، مؤكداً أن مؤتمر «التعاون المائي من أجل عالم آمن» أتاح فرصاً للتقارب والتواصل والتعاون، خصوصاً لجهة توفير قاعدة علمية عن المصادر المائية المشتركة.
مشاركة :