الطاقة المتجددة.. ركيزة أساسية للتنمية المستدامة

  • 1/26/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

روبيرتو دي دييغو أروزامينا * مع مرور الوقت وارتفاع حدة التلوث في العالم، تزداد التحديات أمام الجهود الرامية لتقييد معدل الاحتباس الحراري العالمي عند درجتين مئويتين كحد أقصى خصوصاً في ظل ارتفاع حجم الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الأنشطة الصناعية، ووسائل المواصلات، وتوليد الطاقة، وأنظمة التدفئة والتبريد، ومحطات التحلية وغيرها من الأنشطة البشرية الأخرى الآخذة بالازدياد وسط تسارع نمو التعداد السكاني واستمرار جهود الدول للارتقاء بمستوى معيشة شعوبها. وأشارت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) إلى أن عام 2015 يعتبر الأشد حراً على الإطلاق من حيث متوسط درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم منذ 136 عاماً، مشيرةً إلى أن شهر يونيو والشهور الأربعة التي سبقته سجلت رقماً قياسياً جديداً في متوسط درجات الحرارة. وفي ظل هذه الأزمة البيئية، يبرز دور وأهمية الطاقة المتجددة كحل مثالي من بين حلول أخرى من شأنها المساهمة في خفض معدل التلوث وبالتالي الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. ومع ذلك، هناك تصور خاطئ بأن مثل هذه الحلول مكلِفة مقارنةً بالطرق التقليدية المستخدمة في توليد الطاقة. وقد دارت العديد من النقاشات حول الدعم المالي الموجّه لتشجيع توليد الطاقة المتجددة، والتي أشارت إلى أن توليد الطاقة بهذه الطريقة مكلف جداً استناداً، وهو بلا شك رأي متحيز يغفل حقيقة أن مختلف مصادر توليد الطاقة مدعومة هي الأخرى مالياً. ومن المعروف أن المراحل الأولى في اعتماد أي تقنية جديدة تصاحبها تكاليف عالية نظراً لمحدودية انتشارها، ولكن بفضل الدور الإيجابي الذي لعبه دافعو الضرائب في القارة الأوروبية من خلال دعمهم لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، قطعنا شوطاً كبيراً في إحراز النمو المطلوب في هذه التقنيات التي تنامت وتوسّع نطاق انتشارها وبالتالي قلّت تكلفتها بشكل كبير على مدار السنوات العشر الماضية. وحالياً، تنتج محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، الكهرباء بأسعار تنافسية وأقل منها مقارنة بالمحطات التي تعتمد على الديزل (تبعاً لأسعار الديزل العالمية وليس المدعومة)، كما تعد تنافسية مقارنة بالغاز والفحم. وفي الحقيقة، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الفنية المتعلقة بالطبيعة المتقطعة للموارد الطبيعية المستخدمة في توليد الطاقة. ولضمان توفير إمدادات مستقرة من الكهرباء، لا بد أن تكون الطاقة المتجددة مكملة للمصادر التقليدية المستخدمة في توليد الكهرباء والطاقة النووية والطاقة الكهرومائية من أجل تلبية الطلب المتنامي على الطاقة لا سيما في أوقات ذروة الاستهلاك. وكما حدث وانخفضت تكلفة تقنيات الطاقة الشمسية إلى عُشر ما كانت عليه منذ عقد من الزمان، فإن أنظمة بطاريات تخزين الطاقة ستتبع المسار ذاته وتصبح أحد الحلول التنافسية من حيث التكلفة. وقريباً، سيتسع نطاق انتشار الطاقة المتجددة مع تطور أشكال مختلفة لتخزين الطاقة لتحل مصادر الطاقة النظيفة محل المصادر التقليدية المستخدمة حالياً في توليد الكهرباء. وبحسب إحصائيات الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، فإن هناك 1.3 مليار شخص في العالم أي ما يعادل تعداد سكان جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يفتقرون إلى الطاقة الكهربائية وذلك لعدة أسباب من أهمها، في معظم الحالات، غياب نموذج اقتصادي عملي وقابل للتطبيق يتيح للدول الفقيرة مد شبكات الكهرباء لتغطي المناطق النائية والمحرومة. وفي حالات أخرى، يتطلب توليد الطاقة محلياً نقل الوقود إلى مثل هذه المناطق، وبالتالي ترتفع تكلفة الكهرباء بما يفوق القدرة المالية للسكان المحليين. ويقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية مشتركة ليس فقط تجاه الحد من انبعاثات غازات الدفيئة لتخفيف ظاهرة الاحتباس الحراري، بل يجب علينا أن نتكاتف جميعاً للمساهمة في توفير الكهرباء لمن يفتقرون إليها في وقتنا الحالي. إن محطات الطاقة المتجددة لا تعتمد على الوقود الأحفوري إطلاقاً في إنتاج الكهرباء، بل تستخدم موارد مجانية هي طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن مصادر الطاقة المتجددة ساهمت في تقليل المتطلبات التشغيلية مقارنةً مع الموارد الأخرى لتوليد الطاقة، وعليه فإن هذه الطاقة النظيفة مرشحة لأن تلعب دوراً مؤثراً في المستقبل قد يغير مجرى حياة ملايين البشر. ويمكن أن يسهم توفير الكهرباء في المناطق النائية بالاستعانة بالطاقة المتجددة في إحداث تغيير جذري في حياة المحرومين ضمن هذه المناطق، وبالتالي تقليل معدلات هجرة ونزوح السكان. فالطاقة الكهربائية يمكن أن تغير حياة ملايين البشر ممن يفتقدون إلى هذه الخدمة التي تعد من الضرورات الأساسية نظراً لدورها المؤثر في مختلف جوانب الحياة، مثل حفظ الأدوية الطبية، وضخ وتنقية المياه وتوفير الإضاءة للمنازل والطرقات وتحسين جودة التعليم وغيرها. وفي ظل الانخفاض المستمر في تكلفة تقنيات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، يتزايد الاعتماد عليها في الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء، بالرغم من أن تكاليف توليد الكهرباء النظيفة في الدول النامية تعتبر أعلى اليوم. ويمكن أن تسهم الطاقة المتجددة في دعم تقليل تكاليف الإنتاج الإجمالية في هذه الدول. وإلى جانب ذلك، تسهم الطاقة المتجددة في تقليل اعتماد الدول على واردات الوقود الذي تحتاجه لتشغيل محطات توليد الطاقة التقليدية، مما يساعدها في تحسين ميزانها التجاري ويعزز قدرتها على توفير الكهرباء للمناطق النائية بتكلفة أكثر تنافسية، وبالتالي تقليل الحاجة إلى توسيع شبكات توزيع الكهرباء الوطنية. ومن شأن تلبية الطلب المتزايد من المستهلكين على الكهرباء خلال أوقات الذروة بالاعتماد على الطاقة المتجددة، سواءً طاقة الرياح خلال الشتاء أو الطاقة الشمسية خلال الصيف، تحفيز النمو الاقتصادي الذي بلا شك سيتحسّن كلما انخفضت تكاليف الاستثمار في المرافق الخدمية العامة ومن بينها محطات الطاقة التقليدية. نحن نستفيد من مصادر الطاقة المتجددة النظيفة بصورها المختلفة: الرياح، والشمس، والطاقة الحرارية الأرضية، وطاقة الأمواج، والمد والجذر، ولدينا التقنيات اللازمة التي يمكننا استخدامها في سبيل تحقيق الاستفادة المنشودة من هذه المصادر التي باتت اليوم أقل تكلفة إلى جانب كونها عديمة الانبعاثات الكربونية. لذا، يجب علينا بذل مزيد من الجهود لتسريع وتيرة اعتمادها على نطاق أوسع بما يسهم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية. ولا شك، ستكون هناك أصواتٌ هدفها عرقلة التقدم المتسارع في عملية اعتماد مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع نظراً لكون ذلك يتعارض مع مصالحهم في مجال البنية التحتية التقليدية الخاصة بتوليد الطاقة، وشبكات نقل الكهرباء وتوريد الوقود. وبالتالي، لابد لنا من بذل المزيد من الجهود لتسهيل عملية التحول إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة من خلال التغلب على الصعوبات والتحديات التي تحول دون تحقيق ذلك نظراً لأن المنافع البيئية واضحة والتأثير الاقتصادي يعتبر محايداً بالنسبة للمستهلكين. وفي الختام، نؤكد بأنه قد حان الوقت لكي نتعاون معاً في إطار التزامنا بمسؤوليتنا الجماعية للحفاظ على البيئة، حيث لم يعد هناك مجال لأي تأخير أو تقصير. الرئيس التنفيذي لشركة عبد اللطيف جميل للطاقة والخدمات البيئية

مشاركة :