لماذا رفعت إيران السقف؟ دخلت العلاقات بين طهران والعواصم الأوروبية مرحلة مختلفة بعد اندلاع احتجاجات في إيران منتصف أيلول/سبتمبر، إثر وفاة مهسا أميني بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لعدم التزامها القواعد الصارمة للباس. وفي الأشهر الماضية، اعتبر مسؤولون إيرانيون بارزون أن الجمهورية الإسلامية تواجه "حربا هجينة" على مستويات مختلفة، منها السياسي والاقتصادي والإعلامي والنفسي. واتهم مسؤولون إيرانيون "الأعداء" بدعم الاحتجاجات التي يعتبرون جزءا كبيرا منها "أعمال شغب"، وانتقدوا "تدخل" أطراف عدة بينها دول أوروبية في التحركات التي تشهدها البلاد. والإثنين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن "بعض الدول الأوروبية، بما فيها ألمانيا، اختارت مسار الاستفزاز بهدف إثارة عدم الاستقرار" في إيران. وأتى ذلك غداة اعتبار الوزير حسين أمير عبداللهيان أن الولايات المتحدة "أدركت في وقت أبكر من الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، أن أعمال الشغب الراهنة في إيران لن تؤدي الى شيء". كيف يتحرك الأوروبيون؟ على رغم تراجع التحركات الاحتجاجية في شوارع إيران منذ أسابيع، يسعى الأوروبيون لمواصلة الضغط على طهران. وأقرّ الاتحاد الأوروبي الإثنين عقوبات بحق 37 شخصية وكيانا إيرانيا على خلفية "قمع" السلطات للاحتجاجات، في ما يعدّ رابع حزمة عقوبات تفرضها بروكسل على طهران في هذا الملف. كما تضغط دول أوروبية عدة لتأمين الإفراج عن مواطنيها الموقوفين في إيران، خصوصا فرنسا التي تتهم إيران بأخذ سبعة من مواطنيها "رهائن"، وبلجيكا التي تطالب بإطلاق عامل الاغاثة أوليفييه فانديكاستيل الذي دانه القضاء الإيراني بتهم عدة أبرزها التجسس، وأصدر بحقه أحكاما بالسجن لفترة إجمالية تبلغ 40 عاما. ورأى المتخصص الإيراني في العلاقات الدولية فياض زاهد إن "قضية إيران باتت محورية لدى الرأي العام الغربي، بشكل يجعل من الصعوبة للحكومات (الغربية) تطبيع علاقاتها مع طهران". وأبرز زاهد لوكالة فرانس برس، أهمية تبدّل اللهجة الألمانية حيال طهران في حقبة ما بعد المستشارة أنغيلا ميركل، موضحا أن برلين التي دائما ما كانت من دعاة الحوار مع طهران، باتت تتخذ "مواقف أكثر حدة وراديكالية" حيالها. هل يمكن للأزمة أن تتعمّق؟ ويثير ملف آخر التوتر بين الأوروبيين وإيران، هو تزويد الأخيرة لروسيا طائرات مسيّرة استخدمتها ضد أوكرانيا. أما آخر فصول التوتر فكان تصويت البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي لإدراج الحرس الثوري على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات "الإرهابية". ويعود اتخاذ القرار النهائي، المعقد قانونياً، إلى المجلس الأوروبي المؤلف من الدول الأعضاء الـ27. الا أن هذا الاجراء يبدو غير مؤكد راهنا، ويثير انقساما بين أطراف أوروبية مختلفة. والإثنين، شدد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على أن خطوة من هذا النوع تتطلب "قرارا قضائيا" مسبقا، يمكن على إثره إطلاق مسار إدراج الحرس كمنظمة "إرهابية". من جهتها، تحذّر إيران من ردّ "حازم" على خطوة كهذه، علما بأنها ستكون -بحال حصولها- تكرارا لما قامت به واشنطن في العام 2019 بحقّ الحرس، القوة العسكرية العقائدية التي أضحت لاعبا أساسيا في السياسة والاقتصاد. وحذّر مسؤولون من "رد بالمثل" قد يشمل إدراج جيوش أوروبية على القائمة الإيرانية للمنظمات "الإرهابية". وطرحت وسائل إعلام إيرانية احتمالات أخرى تتضمن الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، أو إجراءات قد تقيّد حرية الملاحة في مضيق هرمز حيث يمرّ جزء أساسي من امدادات النفط. واعتبر المحلل السياسي الإيراني عباس أصلاني أن رد الفعل الإيراني "قد يثير أزمة أخرى، خصوصا في مجال الطاقة، في خضم الحرب الجارية في أوكرانيا". أي تأثير على الاتفاق النووي؟ على رغم أهميته، دخل ملف الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في سبات، أقله في العلن، منذ أيلول/سبتمبر، مع تعثر المباحثات الشاقة لإحيائه. وأتاح اتفاق العام 2015 المبرم بين طهران وكلّ من واشنطن وباريس ولندن وبرلين وموسكو وبكين، رفع عقوبات عن إيران مقابل خفض أنشطتها النووية. الا أن مفاعليه باتت في حكم اللاغية منذ الانسحاب الأميركي الأحادي منه في 2018. وبينما يؤكد مسؤولون إيرانيون استمرار "تبادل الرسائل" بشأن إحياء الاتفاق، يشير أطراف الاتفاق الغربيون الى أن ذلك لم يعد أولوية راهنا. ولحظ الباحث زاهد "وجود إشارات في إيران تدفع الى الاعتقاد بأن الحكومة قد تتعامل مع الأزمة الراهنة من خلال الاقدام على بعض التنازلات"، ما قد يحفّز الأوروبيين على "ضبط النفس".
مشاركة :