قليلاً وتكتمل دائرة العام الخامس على انطلاقة موسم «الربيع العربي»، من تونس إلى مصر، فاليمن وليبيا وسورية، بينما استطاعت دول عربية أخرى الإفلات بقدر أو نباهة. لم يعد ثمة مجال للكثير من الجدل في شأن الفوات الذي يكاد يلف دول الربيع كلها، وإن بمقادير متفاوتة شكلاً، لا تكاد تختلف مضموناً، ولعل عنوان «سنوات الفرص الضائعة» يليق بهذه السنوات الخمس، ويقارب بدقة من وصفها. كان تعبير «سنوات الفرص الضائعة» من اختراع الديبلوماسي المصري مصطفى الفقي، واصفاً به سنوات حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، التي انتهت تحت سنابك «الربيع العربي»، وجاعلاً منه عنوان برنامج تلفزيوني على شاشة قناة «النهار» المصرية، تحوّل خلاله من طرف في حوار، كما اعتاده الجمهور، إلى مقدّم برنامج يبتغي تحقيق أهداف، تبدأ من الشأن الشخصي والذاتي لدى الفقي، ونحن نراه يدافع عن نفسه، بسرد تجربته وتفاصيلها، وتوضيح الملابسات التي شابتها، ليكون البرنامج من هذه الناحية أقرب إلى شهادة مصطفى الفقي على نفسه، يعزّزها من ثم بشهادته على عصره، بل إضاءته على تاريخ مصر الحديث. يصف الفقي سنوات ما قبل «الربيع العربي» بأنها «سنوات الفرص الضائعة». يمكن الاتفاق معه في شكل حاسم، بل ومن الممكن أن يكون ثمة «مصطفى» مماثل، في كلّ من البلدان العربية، التي شهدت «الربيع»، ويقول الكلام الصائب نفسه عن «السنوات» التي شهدتها قبل «الربيع»، فمما لا شك فيه أنه لو لم يضيّع «أحد ما» هذه السنوات بمزيد من «الفرص الضائعة»، لما كان عليها أن تنتهي إلى هذه المأساة متعددة الوجوه. ومع ذلك، فإن ما يزيد المأساة بؤساً أن تعبير «سنوات الفرص الضائعة» يمكن أيضاً أن يكون وصفاً دقيقاً للسنوات التي تلت انطلاقة «الربيع العربي»، وما شهدته بأثمان فادحة ونهايات خائبة. فإذا كان مما يواسي الشعوب، ويعزّيها، أن التضحيات الباهظة لن تذهب سُدى، ودماء الشهداء لن تنزف هدراً، ففي ظلّ «سنوات الفرض الضائعة»، منذ نهاية العام 2010، وحتى الآن على رأس اكتمال السنة الخامسة، ليس ثمة من يعزّي من ثاروا، ولا يواسي من حلموا، وكثيرٌ من الإشارات يؤذن بخروج هذه البلدان من التاريخ الذي طمحت بـ «الربيع» إلى دخوله. يستطيع من شاء أن يمدّ المأساة لتغطي بظلالها أفقياً على غير بلد، كما يمدّها عمودياً لتجتاز سنوات الـ «قبل»، والـ «بعد»، في واحدة من مكر التاريخ عندما لا يريد الرأفة بخلاصات تجارب الشعوب والمجتمعات والأفراد والشخصيات، ويضعها جميعها أمام تحديات لا تطيقها، ويبدو أنه لم يكن في حسبانها، إلى درجة لن يبدو معها من المبالغة القول إن «سـنوات الفرص الضائعة» لم تعد مجرد مرحلة انتقالية عابرة، بل علامة فارقة تتكرر بمتواليات جهنمية على حافة نهر التاريخ، في حين كان الأمل القفز في خضمّه.
مشاركة :