مع نشوء الدولة في بدايات التاريخ، بدأت الطبقية تتكون من رحم المجتمع، وقد كانت مبادئ الدولة الحديثة محط اهتمام الفلاسفة والمفكرين حتى تم تقسيم الطبقات إلى ثلاث، عليا ووسطى ومسحوقين، وصارت الوسطى هي محرك القوة في ديناميكية الإدارة والتنمية الشاملة.. في مجتمعنا ومع الطفرات المادية القريبة بدأت تتشكل قوى بعضها أخذ بمبدأ الاستفادة من مدارس العالم في تطوير وتحريك رأس المال، فدخلت في مشاركات واستثمارات متعددة، ولكنها أبقت نشاطها على حركة تجارية، ومضاربات في الأسهم دون الاهتمام بتوسيع دائرة عملها نحو الاستثمار البعيد المدى في الصناعات المتقدمة رغم البيئة المساعدة في الدعم الحكومي، ولذلك لم نرَ اتجاهاً يخرج من الأفق الضيق إلى ميدان الاقتصاد الأكبر.. طبقات أخرى جاءت من الصدف غير المتوقعة وخاصة تجار المضاربات في الأراضي أو التي حصلت على أموال بطرق غير مشروعة، وهذه أفرزت عناصر استهلاكية ومظهرية تتنافس على بناء القصور، وامتلاك السيارات الفارهة، والمبالغات في حفلات الزفاف والصرف غير المعقول على الشكليات وجعلت أبناءها يرثون نفس الصفات حين ترى شوارع المدن الأوروبية الرئيسية في الصيف تشهد مبارزات ساذجة بأنواع السيارات الفارهة وهي تجوب تلك الشوارع ما جعلنا سخرية لمنتجي تلك السيارات والتي تم قصرها على نوعية خاصة من الفنانين ولاعبي الكرة، وبعض أصحاب الرساميل الكبيرة حتى إن العالم شهد أربعين (مليونيراً) أمريكياً يقودهم (بل غيتس وبافت) تبرعوا بنصف أموالهم للفقراء في إنشاء دور الإيواء، وبناء المدارس والجامعات ومراكز التدريب بما يُفهم بالمسؤولية الاجتماعية لكبار الأثرياء، وهذا النموذج لا نراه في مجتمعاتنا العربية وبشكل خاص الخليجية التي تحولت إلى عناصر ريعية واستهلاكية دون إحداث تغييرات جوهرية في الاقتصاد الوطني حتى إن هروب الأموال، واستثمارها في الخارج صارا صفة متكررة يومياً رغم وجود الحوافز في المواقع الوطنية والعربية.. لا أحد يدعو للعودة إلى تبني الفكر الاشتراكي بحتمية صراع الطبقات وبعثها من جديد لتكرار التأميم والمصادرة، وهي السياسة التي فشلت مع أكبر قوة في العالم حين انهارت بسبب تلك السياسات، لكن الدعوة إلى استنساخ تجارب أخرى في أوروبا وآسيا، هي التي رسخت تعدد وسائل التنمية وربطها بمشاريع ذات عوائد كبيرة، ومشكلتنا في المملكة أن أصحاب الرساميل الكبيرة ليست لديهم المبادرات الحقيقية لا بالمسؤولية الاجتماعية، ولا في خلق بيئة عمل تتضافر فيها جهود وطنية متعددة، بل إن التحايل على رفع الأسعار، وجلب أسوأ البضائع التي تدخل في الغش التجاري، وغيرهما من السلوكيات الأخرى، هي التي خلقت التباعد بينهم، وبين بقية الطبقات الأخرى.. لا نستطيع التعميم على الجميع، غير أن الندرة هي التي وفّت واستجابت لخلق فرص العمل في مشاريعها، بينما الغالبية هم المستفيدون من القروض والتسهيلات ورسوم الجمارك وغيرها، ولكن العائد من نشاطهم اتجه إلى الربح السريع، والركض وراء العمالة الرخيصة على حساب توظيف المواطن، ولا تزال الهوة قائمة ما لم تأت قوانين جديدة تُحدث تغييراً في هذه الفوضى التي استغلت بما سمي بالحرية الاقتصادية والتي تختلف عن غيرها في العالم المتقدم حين تفرض الضرائب وتتصاعد وفقاً لإعادة التشريعات والنظم بما يتفق والمصلحة الوطنية..
مشاركة :