رواية ابتدأت بهذه العبارة المقتبسة عن وجدي الأهدل: «والأدب الجيّد يخلق نشوة روحيّة تطرب لها الحواسّ وتتطهّر بها النفس، فيتهذّب السلوك وتسمو المشاعر» هي بلا شكّ رواية من الأدب الجيّد، حيث ستلمس بنفسك تلك النشوة الروحيّة وستطرب لها حواسّك وأنت تمضي في قراءتها، ولن تدعك إلّا وقد أحسست بذلك الطهر والتهذيب والسموّ ... رواية تحكي قصّة شابّين جمعتهما المصادفة في نادٍ ليليّ في لندن يجتمع فيه «وجهاء من المجتمع الخليجيّ والعربيّ»، أشخاص جمعتهم هناك الرغبة في الانفلات من تقاليد مجتمعاتهم والاستمتاع على طريقتهم بما يملكونه من ثروة ونفوذ ... رؤوف، الشابّ الأوّل، «يمتلك كاريزما من الجاذبية المقنعة أو السحر الذي يمكن أن يلهم التفاني في الآخرين، وله أطوار جريئة ويجيد القفز على الحبال بمهارة عالية يصعب اكتشافها من أوّل وهلة»... شخص انتهازيّ لا يتوانى عن أيّ عمل يصبّ في مصلحته... يعمل مسوّقاً لشركة تأمين عالميّة في لندن، ويقيم علاقة مع ابنة وكيلها للحفاظ على منصبه فيها ... شاءت الأقدار أن يلتقي بسيّدة خليجيّة (فاطمة) ذات مال وجمال ونفوذ فيبادر بنصب شباكه حولها... تارة يرسل لها الزهور، وأخرى يرسل لها الرسائل الملتهبة، حتّى إنّه في مرّة أرسل لها قصيدة لنزار قباني تحمل اسمها وكأنّها قد كتبت لها: «حبيبتي فاطمة شهرُ ديسمبر رائع... شهرُ ديسمبرَ في لندنَ، هذا العام، رائع فبِهِ هاجَمَني الحُبّ وألقاني جريحاً كمصابيح الشوارع .. هذه فاطمة تلبسُ بنطالاً من الجلد نبيذيّاً توصيني بأن أمسكها من يدها كي لا أضيع وهي تدري جيداً.. أنّني من يوم ميلادي ببحر الحب ضائع» وفي النهاية أوقعها، ثمّ تزوّجها وانتقل للعمل في بلدها كمشرف على أحد مشاريعها بعد أن ترك عمله وعلاقته بابنة صاحب العمل... لكن «في تصاريف القدر ما هو كفيل بإحداث غير المتوقّع، وقد تسير أمورك على نحو غير مأمول ما دمت تعيش على هذه الأرض، ولك عهد مع البشر» كما جاء في الرواية، إذ تكيد مدبّرة منزل فاطمة لهما وترسل من تستدرج رؤوف ليقع في حبالها ثمّ تكشف الأمر لزوجته لينقلب السحر على الساحر رؤوف فيقول: «في لحظة حمقاء خانني فيها الذكاء وسوء التقدير خسرت كلّ شيء.. وظيفتي، ومكانتي، وسمعتي.. بل وخسرت الأهمّ من ذلك.. نفسي»... في صورة مقابلة ومعاكسة يصوّر لنا الأستاذ صالح حياة «حسن» الشابّ الذي قصد لندن لاستكمال دراسته والحصول على الماجستير والدكتوراه... شابّ طموح يعرف هدفه ويسعى له بجدّ وعزيمة ... تعثّر مرّات عدّة، لكنّه كان ينهض من عثرته ويتابع طريقه بكلّ جدّ وإصرار... يقول: «يتوهّم البعض أنّ الحياة ستلزم وتيرة أو نهجاً واحداً في التعامل، وهذا منزلق لا يكاد ينجو منه أحد، لكنّها قد تكون حياديّة، ليس لأنّها كذلك، بل لأنّنا نحترم القوانين التي يفرضها فنّ التعايش مع تلك الفواصل، وهي الوسيلة التي أثبتت جدارتها على مرّ العصور» ... يقابل حسن (خزامى)، فتاة معتدّة بنفسها، معجبة باسمها، ما إن سألها عنه حتّى قالت: ”هل تعرف Lavender ؟.. ألم تقرأ عن الخزامى؟.. تعرَّ ف على اسمي بهذين البيتين لقيس مجنون ليلى، يقول: ألا هل إِلى شمِّ الخُزامى ونظرةٍ إلى قرقري قبلَ المماتِ سبيلُ فأشربُ من ماءِ الحُجَيلاءِ شَربَةٍ يداوي بها قبلَ المماتِ عليلُ كانت خزامى تدرس معه في الجامعة، أعجب بها رغم بعض الفوارق في طريقة تفكيرهما، وما بين أخذ وردّ، وجزر ومدّ تتأرجح علاقتهما إلى أن تتوّج أخيراً بزواج تحاول الزوجة من خلاله إعاقة زوجها عن إكمال دراسته فينفصلان... لكنّ الحياة تصافحه مجدّداً فيقول مستغرباً: «هل صافحتني الحياة من جديد؟ هل سُحق المستحيل فعلاً أم هناك ما سيلوح في الأفق؟».. ولأنّ «كلمة المستحيل لا توجد في قاموسي» يتابع حسن مسيرته العلميّة ويتزوّج من دكتورة ساعدته في المضيّ قدماً في تلك المسيرة حتّى حقّق مبتغاه... رواية ذات أحداث متتابعة، مبهرة ممتعة عرضها الأستاذ صالح بأسلوب عذب سلس يجعل القارئ يمضي من صفحة إلى أخرى دون كلل أو ملل إلى أن يصل إلى النهاية لتستوقفه حكمة بليغة ضمّنها الأديب خلاصة تجاربه في الحياة، فهو الرجل الحكيم ذو البصيرة النافذة الذي خبر الحياة بظواهرها وبواطنها، ليقول ختاماً: «نحتاج من وقت لآخر لاستراحة محارب نجرّب فيها إعادة صياغة خططنا الحربيّة، استعداداً لخوض جولة أخرى، كوننا محاربين لم يكن خيارنا، وبطبيعة الحال لا أحد يختاره طوعاً، وُلدنا مستعدّين لخوض تجربة فُرضت علينا، لم نولد بروح انهزاميّة، فإمّا أن ننتصر وإمّا أن ننتصر، وما شذّ عن القاعدة لا يعني أنّه الأصل، ولن تتوقف الحياة عن فرض وصايتها، هناك دائماً ما ستبهرنا به وبالمقابل هناك ما سيُرحل ضمن الخبرات. قهرت المستحيل ليس لكوني رجلاً خارقاً، بل لأنّي استفدت من تجربتي..»
مشاركة :