قراءة في رواية «غواية» لصالح السويد

  • 1/11/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عن «قلم الخيال للنشر والتوزيع» بالرياض صدرت حديثا رواية «غواية» للكاتب صالح السويد، بطبعتها الجديدة الثانية للعام الحالي 1438هـ، علما بأن صدورها بطبعتها الأولى كان عام 2015م/1436هـ. وتعكس هذه الرواية صورة من صور حياة «المجتمع النجدي» وأبرز مظاهرها خلال النصف الثاني من القرن الهجري الماضي، خاصة في فصولها الأولى، ثم انتقال كاتبها– فيما تلا ذلك من الفصول– للخروج من «إقليمية الحدث» وخصوصية البيئة وشخصياتها، المحددة بأبعاد جغرافية واجتماعية و«ديموغرافية» ضيقة نحو آفاق أكثر اتساعا وامتدادا وشمولية. وهذا ما جعل الشخصيتين الرئيستين في هذا العمل السردي «فالحا وأخاه مكفوف البصر عمر» تصطدمان بكثير من العوائق والحواجز الاجتماعية والنفسية، الناتجة عن انتقالهما من بيئة تقليدية محافظة، بسيطة التكوين، الى بيئات مختلفة في تكوينها، ومجتمعات معقدة في بنيتها وتكوينها الاجتماعي والطبقي و«الايديولوجي» والمعرفي، ومتباينة في سلوكياتها وأخلاقياتها وعاداتها وتقاليدها ومستويات معيشتها. ومن الطبيعي أن يواكب هذا التكوين المعقد للشخصيات وبيئتاتها المتنوعة، التي تدور فيها أحداث هذه القصة تصاعد معقد لمعالجة الحدث، وأزمنته وأماكنه، وشخصياته، حتى أسفر ذلك– في نهاية الأمر– الى تذويب «الخاص بالعام» و«الفردي بالجماعي» و«المختلف بالسائد» و«التقليدي بالمستحدث»: «حدث ذلك في عام انتشار مرض الجدري من القرن الماضي في الجزيرة العربية وفي قرية تاريخية في أواسط الجزيرة العربية. اشتهرت هذه القرية بطيبة أهلها وذكائهم وطرافتهم وسرعة بديهتهم وتختلف عن القرى المجاورة لها، وأصبحت طرائفهم أمثلة بقيت الى وقتنا الحاضر. كان عمر صبيا يافعا وعفيا في عامه العاشر حين أصابه المرض المعدي الذي بسببه فقد بصره في حين كان والده مغتربا للبحث عن الرزق، وكان يطلق على المغتربين في ذلك الوقت العقيلات...». الرواية: ص 5. إذن.. الكاتب هنا في هذا الاستهلال التمهيدي لبداية القصة يؤرخ بالأحداث البيئية الكبيرة التي اجتاحت «منطقة نجد» وأثرت على سكانها في تلك الحقبة من الزمن، كما في قوله: «حدث ذلك في عام انتشار مرض الجدري....» ولا يؤرخ بالسنوات، كما جرت عليه عادة «أهالي نجد» القدامى، حين يؤرخون لحياتهم بأهم الأحداث البيئية، والكوارث الطبيعية، التي تجتاح منطقتهم– كغيرهم– من سكان المناطق الأخرى من جزيرة العرب، كقولهم مثلا: سنة الجوع، سنة البرد، سنة الجدري... الخ. وهذا التحديد «المبهم» المقصود لزمن الحدث له أهميته الخاصة بالنسبة للكاتب، وللقراء أيضا، اذ ان المقصود به ترجمة «الحوادث» الى «تواريخ شفهية» ترتبط بحياة المجتمع، في ذلك الزمان، وبذاكرة أهله، أكثر من ارتباطها بـ«رزنامة أو تقويم» تاريخي علمي، يرصد الزمن الحقيقي، ويتجاهل الحادثة ومكانها، وهذا أمر له أهميته ودلالاته الخاصة في «أدبيات التاريخ القديم لإقليم نجد وسكانه». أما فيما يخص «المكان» في الرواية فقد تعددت صوره، وتوسع فيه الكاتب كثيرا، ليخرج من مدلوله «الجغرافي» المحدد بأبعاد جغرافية معينة، ليكون أكثر دلالة وشمولية وتنوعا، فمن القرية أو الريف في وسط «نجد» الى العاصمة «الرياض» ومنها الى «مصر» ثم «الشام» و«تركيا». ولكل من هذه الأقاليم الشاسعة مترامية الأطراف خصوصيته الاجتماعية والتاريخية، وموروثه الحضاري والفكري، الذي يخص أهله دون غيرهم، مما ينبئ عن سعة اطلاع الكاتب على ثقافات الشعوب الأخرى وحضاراتها، وتباينها والمقارنة فيما بينها.

مشاركة :