أطلقت وزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية مبادرة جديدة من أخصب المبادرات التي تعزز حضور الإنسان العربي، وتعزز قيمه وتأثيره، وهي اختيار عام 2023م ليكون عاما للشعر العربي.حيث «ثمن صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة، موافقة مجلس الوزراء على تسمية عام 2023م بـ «عام الشعر العربي»، احتفاء بالقيمة المحورية للشعر في الثقافة العربية، على امتداد تاريخ العرب، وانطلاقا من تأثير الجزيرة العربية التي كانت وما تزال موطنا للشعر والشعراء، ومصدرا لروائع أدبية ذات موقع راسخ في الحضارة الإنسانية».لقد اختارت المملكة هذا الفن الشعري، بوصفه فن العربية الأول الذي حفظ قيم الأمة ولغتها وتقاليدها عبر العصور، وليس بالغريب أن تضيف المملكة المبادرة الجديدة إلى مبادرتها السابقة عن عام الخط العربي، وهي التي تدعم مختلف فنون الثقافتين العربية والإسلامية، وتعتني بها عبر مراكزها ومكتباتها الوطنية ومؤسساتها الثقافية المتنوعة، وعبر جوائزها العالمية التي تعنى باللغة والدراسات الإسلامية والأدب العربي والترجمة.لقد أضفى اهتمام المملكة العربية السعودية النوعي بالقضايا العربية الكثير من الأبعاد عليها، وجعلها موضوع اهتمام المجتمع الدولي والمنظمات العالمية، بما تملكه المملكة من تأثير كبير في عالم اليوم، وبما تقوم به من مبادرات سياسية واقتصادية وإنسانية من أجل إذكاء روح السلام والأمن الدوليين من جهة، والعمل على إيثار قيم التعايش والتسامح في مواجهة التطرف والتعصب والإرهاب من جهة أخرى.إن المملكة العربية السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- لا تدخر جهدا في الانحياز إلى القضايا العربية والإسلامية، وإلى التضامن مع هذا الفضاء العربي الإسلامي المتسع انطلاقا من مبادئها، ومن تضامنها مع شقيقاتها في كل المجالات، والوقوف إلى جانبها، فهي اليوم رائدة العالمين العربي والإسلامي، وهي البلد العربي المسلم الوحيد العضو في مجموعة العشرين العالمية.ولعل هذا الانحياز والتضامن قد انعكس بدوره على البعد الثقافي الأصيل، بما تنطوي عليه الثقافة العربية والإسلامية من مكونات وعناصر ماثلة في التراث العريق الذي يمتد لأكثر من ستة عشر قرنا من الزمان، فضلا على امتداده إلى حضارات المنطقة القديمة التي تشكلت في جزيرة العرب والعراق وبلاد الشام ومصر والتي تعود إلى أكثر من 16 ألف عام.إن المملكة وهي تهتم بالثقافة العربية والإسلامية إنما تهتم بجذورها وتراثها المديد، فضلا على ما تشكله الثقافة العربية اليوم من عناصر مهمة في مختلف الفنون والآداب والفولكلور والتراث والتاريخ والعلوم.وتحتضن المملكة العربية السعودية على أرضها فلذات التراث العربي والإسلامي، قبل ظهور الإسلام وبعده، فهي فضلا على وجود الحرمين الشريفين وأشرف بقعة على الأرض: البيت المعمور، والكعبة المشرفة، فإنها تستند على أرضية تاريخية ودينية حفظت كتاب الله الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة لخاتم الأنبياء والمرسلين النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلوم القرآن والسنة النبوية، فيما حفظت التراث العربي شعرا ونثرا، وهو ما يشكل القوة الناعمة التي ننطلق بها ونزهو بها أمام العالم.إن احتضان المملكة لمختلف عناصر الثقافة العربية والإسلامية يؤكد على جملة من القيم تتمثل في:أولا: إضفاء البعد القيمي الأصيل للثقافة العربية وسط عالم محتشد بالتغيرات المتسارعة.ثانيا: التأكيد على الجذور والهوية العربية الإسلامية، بمختلف إنتاجاتها وتمثلاتها الإبداعية والتاريخية والعلمية.ثالثا: تأكيد قيم التضامن العربي والإسلامي في مواجهة عناصر التطرف العالمية، ومحاولات الانتقاص من تاريخنا وحضاراتنا.رابعا: الحفاظ على مكونات الثقافة العربية بوصفها تشكل الأرضية القوية التي نواجه بها التحديات الراهنة والمستقبلية.خامسا: التأكيد على الدور القيادي للمملكة في السير بالأمة وتوجهاتها صوب ما يعزز مكانتها وحضورها.إن المملكة التي تشكل عمق الثقافتين العربية والإسلامية، تضم على أرضها مختلف مكونات الثقافة العربية من لغة وشعر ونثر، وعلى أرضها عاشت أجيال من الشعراء والأدباء والعلماء والفقهاء، ويمكن للباحثين أن يرصدوا وجود أكثر من 500 شاعر وشاعرة عاشوا بالجزيرة العربية ووصفوا أمكنتها ووقائعها الملهمة.فمن عصر امرئ القيس والنابغة وزهير بن أبي سلمى وعنترة العبسي وبقية شعراء المعلقات إلى عصر عمر بن أبي ربيعة وقيس بن الملوح وقيس بن ذريح والفرزدق وجرير وذي الرمة مضى الشعر العربي ليقول كلمته، ويرتبط بهذه الأرض إلى اليوم، وينتقل منها إلى مختلف البلدان العربية معززا قيمته الجمالية والدلالية بوصفه: «ديوان العرب» وأثبت التاريخ والتجارب والوقائع صدق مقولة أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب: «لن تترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين».وتجيء مبادرة وزارة الثقافة السعودية باختيار العام 2023 عاما للشعر العربي إسهاما منها في تعزيز فن العربية الأول وديوانها الماتع الحافل بالقيم والحكمة وفنون القول، هذا الفن الذي حفظ للأمة لغتها وتاريخها وإبداعها الإنساني الراقي.وسوف تظل المملكة العربية السعودية، وهي في قلب كل إنسان عربي ومسلم، حافظة لأمتها ذاكرتها الإبداعية والجمالية، وهويتها، وتراثها وثقافتها عبر تاريخ موحد ومصير مشترك دينا ولغة وأدبا وحياة.[email protected]
مشاركة :