استقبل فرنسوا هولاند، أمس، البنات الثلاث لسجينة فرنسية مدانة بقتل زوجها. وقصدت بنات جاكلين سوفاج الرئيس الفرنسي لالتماس عفو رئاسي يُطلق بمقتضاه سراح والدتهن التي تشير الوقائع إلى أنها كانت ضحية للعنف على مدى 47 عامًا من الحياة الزوجية. وتعتبر قرارات العفو الرئاسي عن مرتكبي جرائم القتل نادرة جدًا في فرنسا، وغالبًا ما يصدر أمر بالإفراج، لدواعي حسن السلوك أو المرض وبعد أن يكون المدان قد قضى سنوات في السجن، لكنه لا يعني العفو وإسقاط التهمة التي تبقى مذكورة في السجل العدلي للمدان. ومع عودة قضية جاكلين سوفاج (66 عامًا) إلى سطح الأحداث، أصدرت أكثر من 3 آلاف شخصية فرنسية معروفة بيانًا للتضامن معها وتأييد العفو عنها. فالقضية تعود إلى عام 2012 ولم تبت العدالة فيها فيها إلا في أواخر العام الماضي وبعد 3 أيام من الجلسات التي استأثرت باهتمام الفرنسيين وتصدرت نشرات الأخبار. وأصدرت قاضية الاستئناف في محكمة جنايات «بلوا»، وسط فرنسا، حكمها بسجن المتهمة هيلين سوفاج لمدة 10 سنوات بعد إدانتها بقتل زوجها واعترافها بفعلتها. وجاء في مرافعة الدفاع أن القتيل لم يكن عنيفًا مع زوجته فحسب، طوال ما يقرب من نصف قرن من الحياة المشتركة، بل كان عنيفًا مع أبنائه ويتحرش جنسيًا ببناته. وبعد النطق بالحكم التفتت المتهمة نحو شقيقة الزوج وطلبت منها الغفران، ثم خاطبت هيئة المحكمة قائلة: «أريد أن أرى أحفادي». ثم توجهت فابيين، إحدى بنات جاكلين سوفاج نحو القفص وهي تصيح: «هل يحق لي أن أحتضن أُمي بين ذراعيّ». ومن خلال الزجاج العازل تواجهت المرأتان وهما تبكيان. تعرفت المتهمة على زوجها وارتبطت به منذ أن كانت في الخامسة عشرة من العمر. فلماذا تحملت قرابة نصف قرن من الضرب ولم تطلب الطلاق؟ كان عليها أن تروي في المحكمة وقائع ما حدث في ظهيرة 10 سبتمبر (أيلول) من عام 2012، يوم الجريمة. وحسب روايتها فإنها كانت قد غسلت الأواني بعد الغداء وشعرت بالإرهاق خصوصا أنها كانت قد نالت حصتها الصباحية من الشتائم والإهانات. وكان الخلاف ذلك الصباح بسبب شركة النقل التي يديرها الزوجان، لأن ابنهما باسكال تغيب عن الدوام ولم يعد يريد العمل سائقًا على الطرقات السريعة. وحاولت الأم الاتصال به ولم يرد على الهاتف. وتبين فيما بعد أنه كان قد انتحر في المساء السابق بشنق نفسه في بيته. وصعدت المتهمة إلى غرفتها وأقفلت الباب وتناولت حبة منوم. ثم استيقظت على صراخ زوجها وهو يحطم الباب ويهجم عليها بالضرب والرفس ويسحب سلسالاً من رقبتها ويقطعه وتتفجر الدماء من شفتها. ثم نزل إلى الطابق الأرضي فتناولت بندقية كانت في الغرفة ولحقت به إلى الشرفة وأطلقت عليه 3 رصاصات في الظهر. ووصفت القاتلة المشهد كالتالي: «أطلقت الرصاصة الأولى وأغمضت عيني وأطلقت الثانية، ثم ترددت قبل إطلاق الثالثة». وعندما أدركت فعلتها وانهارت واتصلت بالطوارئ وصاحت في السماعة وهي تنتحب: «ـتعالوا بسرعة لقد قتلت زوجي». وكانت هيئة المحكمة قد استمعت إلى شهادات مريعة من أفراد عائلة القتيل ومن الجيران والأقارب، عن الظروف القاسية التي تحملتها الزوجة وبناتها. ورسم الشهود صورة عائلة دمرتها سطوة أب فاسد أخلاقيًا. وكان يمكن للمتهمة أن تنال حكمًا بالسجن مدى الحياة لولا الشهادة الحاسمة لابنتها البكر سيلفي، البالغة من العمر 50 عامًا. وعادت الشاهدة إلى سنوات طفولتها وطفولة شقيقتيها وقالت إن أباها كان ينتظر خروج أُمها من البيت إلى عملها في الشركة لكي يتحرش بها وبشقيقتها الأصغر كارول. وهو قد اغتصب شقيقتها في الحمّام، ذات يوم. وأضافت: «كان يضربنا ويقذف بنا نحو الجدار مثل كرات اللعب لمجرد أن يهدئ أعصابه. لقد عشنا معه حياة لا تطاق لكننا لم نقل لأمنا شيئا لكيلا نزيد من عذابها». لم يأخذ القضاة بحجة الدفاع عن النفس التي استند إليها دفاع جاكلين سوفاج وأصدروا حكمهم بسجنها. ونظرًا لحسن سلوك المتهمة واحتساب السنوات التي أمضتها قيد الاعتقال قبل صدور الحكم، فإن من المنتظر أن يفرج عنها بعد سنة من الآن. لكن الحكم على هيلين سوفاج أثار استنكار عشرات الجمعيات المدافعة عن النساء المعنفات مما شجع بناتها على التقدم بطلب عفو رئاسي. يذكر أن المشرع الفرنسي في عهد الجمهورية الخامسة ورث تقليد العفو من زمن الملكية. وهو كان يصدر في قضايا تخص أفرادًا لكنه، منذ عام 1980، صار يصدر تقليديًا بمناسبة العيد الوطني ويشمل مجموعات من السجناء تتراوح أعدادهم بين 3 آلاف و4 آلاف سجين من ذوي الأحكام الخفيفة أو الذين أمضوا أغلب مدة الحكم، وذلك بهدف تخفيف الضغط على السجون، إلى أن قرر الرئيس نيكولا ساركوزي، عام 2007، إلغاء العفو الجماعي. ومن أشهر الذين حصلوا على الإفراج في عهد الرئيس شيراك، العامل المغربي عمر رداد الذي كان متهمًا بقتل مخدومته الثرية. ولم يصدر الرئيس هولاند سوى عفو واحد قبل سنتين لصالح فيليب الشناوي، وهو محكوم مصري الأصل كان مدانًا في عدة جرائم سطو وأمضى في السجن سنوات طويلة. أما في قضية جاكلين سوفاج فإن الرئيس الفرنسي سيجد نفسه محرجًا قبل اتخاذ قراره بالرفض أو الإيجاب. فمن جهة كان القضاء قد أصدر حكمه بإدانه المتهمة مرتين، في محكمة الابتداء ثم الاستئناف. ومن جهة أخرى تشتد الضغوط من جمعيات الدفاع عن النساء ضحايا العنف التي نظمت مظاهرة كبرى في باريس بمناسبة لقاء الرئيس مع بنات سوفاج.
مشاركة :