نشأت المخدرات الرقمية على تقنية قديمة تسمى «النقر في الأذنين»، اكتشفها العالم الألماني الفيزيائي هينريش دوف عام 1839م، واستخدمت لأول مرة عام 1970م لعلاج بعض الحالات النفسية تحت إشراف طبي، لشريحة ممن يعانون خللا ونقصا في المادة المنشطة للمزاج، ويحتاجون إثارة الخلايا العصبية لإفرازها، ولم تتعد مدة العلاج عدة ثوان في المرة، ولا تستخدم أكثر من مرتين يوميًا، فيما يؤدي الاستماع إليها لفترات طويلة إلى عدة أحاسيس متباينة كالنعاس أو اليقظة الشديدة والدوخة أو الارتخاء أو الصرع والانزعاج، وأكد بعض المختصين أن الاستمرار في سماعها قد يؤدي إلى مشكلات بالجهاز العصبي وخلايا المخ. ويتم الترويج لتلك المخدرات الرقمية من خلال عدة مواقع إنترنت تسوقها على أنها آمنة وشرعية، حيث لا يوجد قانون يجرم الاستماع إلى ملفات صوتية في أي دولة حول العالم، وهذه المواقع توفرها عبر عدة منصات مختلفة بدءاً من تطبيقات للهواتف المحمولة وحتى برامج الكمبيوتر. بدأت كعلاج نفسي وانتهت بتدمير الجهاز العصبي «لم يدر بخلد صانعي التكنولوجيا أن تتحول ابتكاراتهم العلمية التي خدمت الإنسانية في العديد من المجالات، إلى وسيلة لتدمير العقول لدى فئة من المنحرفين سلوكيا ونفسيا». تلك العبارة جزء مما أورده بحث اجتماعي حول ما عرف باسم «المخدرات الرقمية»، أعده قسم الظواهر الاجتماعية في كلية العلوم الإنسانية بكندا، وهي ذلك النوع من المخدرات الذي بدأ ينتشر في العالم قبل سنوات، معتمدا على توفر التقنيات الحديثة في متناول الجميع، وإقبال الشباب عليها وخاصة المراهقين، الذين يفضلون دائماً البحث عن كل ما هو جديد ومختلف. وأشارت الدراسة إلى أن تلك المخدرات الرقمية لا تختلف كثيرا عن العقاقير، وهي عبارة عن مقاطع نغمات معينة يتم سماعها عبر سماعات الأذن، وأحياناً تترافق مع مواد بصرية وأشكال وألوان تتحرك وتتغير وفق معدل مدروس أنشئت لتخدع الدماغ عن طريق بث موجات صوتية مختلفة التردد بشكل بسيط لكل أذن، ويعمل الدماغ على توحيد الترددات من الأذنين للوصول إلى مستوى واحد، وهو ما يؤثر على مستوى الكهرباء بالدماغ، وبالتالي يصاب مستخدمها بحالة تشبه تعاطي المخدرات. وأضافت الدراسة أن تلك الأصوات المستخدمة عبارة عن ذبذبات تتراوح موجاتها ما بين الأهدأ والأقصى، ويؤدي الإفراط في الاستماع إليها إلى عدد من المشكلات بالمخ والأعصاب، ورغم ذلك لا توجد قوانين تجرم تلك المواقع التي تبيع مثل هذه الموسيقى وتنشرها بين الشباب. «المدينة» حاولت تتبع تلك القضية، ومناقشتها مع عدد من الخبراء والاختصاصيين، للفت الانتباه إلى مخاطرها المتعددة. يقول الدكتور عبدالله الشنقيطي استشاري الطب النفسي والمدير الطبي بمجمع الأمل للصحة النفسية بالمدينة المنورة أن الإدمان الرقمي هو نوع من الإدمان ينتج عنه الميل الشديد والدائم للقيام والارتباط بسلوك معين والانعزال عن الأهل والمجتمع. وأضاف أن الإدمان الرقمي المتعلق بجميع أنواع وسائل التواصل الاجتماعي له أثره على الأجيال القادمة من ناحية النمو الصحي للعقل، والنفسي ومدى ارتباطه بالجانب السلوكي والذي تنتج عنه تصرفات غير لائقة. وأشار الشنقيطي إلى أنه من خلال الأبحاث التي قام بها الباحث «باتريك سكينر» للعام 2005 أثبتت أن الاستعمال الدائم لشبكات الإنترنت لغرض اللعب أو خلافه تؤدي إلى تغيرات فيزيولوجية لدى مستخدمي الشبكة لا تقل خطرا عن تلك الأنواع التقليدية من الأنواع المخدرة والمتلفة لخلايا الأدمغة، وفي ذلك الإطار اكتشف العالم الصيني «زهاو» تغيرات مورفلوجية لدى مستخدمي الشبكة بشكل دائم حيث أثبت خلل في المادة البيضاء وضمور في المادة الرمادية داخل الدماغ قد تصل من 10 -20%، كما لاحظ الباحث الامريكي «جاري صمول» تغيير أدمغة مستخدمي ومدمني الشبكات الرقمية والذين يزيد مكوثهم عليها أكثر من خمسة ساعات. وختم الشنقيطي حديثه بتوجيه نصيحة لأولياء الأمور بالحرص، وكبح زمام الأمور وبكل ما هو متعلق بمراقبة ما يتلقاه أبناؤنا داخل جدران غرفهم وعدم جعل أبنائنا فريسة هواة الفكر الضال والتطرف. يشير الدكتور فهد الحسيكي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إلى ضعف، إن لم يكن انعدام، الوعي المجتمعي نحو خطر الإدمان الرقمي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. وشدد الحسيكي على ضرورة أخذ خطر إدمان الشبكات الرقمية على محمل الجد وبث الشعارات التحذيرية والدائمة داخل المنزل والصفوف الدراسية بالإضافة لقاعات المحاضرات الجامعية. ومن جانبها تؤكد الدكتورة إيمان زيني عضو هيئة التدريس بكلية علوم الحاسب بجامعة طيبة على أهمية الوعي بخطر ما يسمى بالإدمان الرقمي وما يدعى بـ»المخدرات الرقمية»، لتجنب المخاطر المسببة لها من تلف للجهاز السمعي وعدم تركيز وحدوث تشنجات بسبب تأثيرها على الدماغ، وعلى الرغم من عدم وجود دليل علمي محكم على أنها تسبب الإدمان كالمخدرات الأخرى، إلا أن هناك ضرورة لنشر الوعي بين أفراد الأسرة والمربين وجميع شرائح المجتمع من خطر كامن قد نجهل إلى الآن مدى خطورته واستغلال تلك الفئات الضالة للوصول لأبنائنا وإعادة صياغة عقولهم لتنفيذ مآربهم الخبيثة. وتضيف زيني أنه في ظل غياب الرقابة وتوجه الشباب والأطفال للبحث عن الترفيه وكل ماهو مجهول ومغترب، نشأ هذا النوع من الإدمان المصاحب لعصر العولمة والتمدن، وهو عبارة عن ملفات صوتية تحتوي على نغمات أحادية أو ثنائية يستمع إليها المستهلك فتصل إلى الدماغ عن طريق موجات تتلاعب بكهرباء المخ وتجعله في حالة من الخدر شبيهة بالمخدرات الحقيقية. «المدينة» حاولت التعرف على آراء عدد من الآباء والأمهات والشبان حول ما يعرف بالمخدرات الرقمية ومصادرها وتأثيرها ومستوى الوعي بها وبمخاطرها، فيقول حمزة عقيل أحد أولياء الأمور وأب لخمسة أبناء: إننا نجهل خطر هذا النوع من الإدمان، حيث سيطر على فكرنا ان الإدمان هو ذلك النوع التقليدي من المخدرات والكحوليات، ولا نعرف تلك الأنواع الجديدة أو كيفيتها، وكيفية وقاية أبنائنا منها. ويرى عقيل أن أولياء الأمور والمربين هم الداعم الأول للإدمان والتطرف بعدم مراقبة ما يتلقاه الأبناء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من البرامج والمواقع المختلفة، والمنتشرة عبر الإنترنت. وأكد محمد عامر، وهو أب لستة أبناء، أن التوعية من هذا الخطر مسؤولية الجميع، ولذلك يجب تقنين وحصر ذلك الورم السرطاني قبل تفشيه داخل مجتمعنا، حيث يبدو أن نقطة انطلاق الخطر على أبنائنا باتت هي مضاجعهم، والتي كنا نظن أنها هي ملاذهم الآمن. وأكدت أشواق محمد، وهي أم لثلاثة أبناء: أنه لا يوجد لديها أدنى فكرة عن شيء يدعى إدمان رقمي وإلكتروني، فيما قالت نجلاء المولد إن ارتباط أبنائنا بالأجهزة الذكية منذ نعومة أظافرهم، وتعلقهم بها بهذا الشكل الذي نراه الآن، أصبح يشكل خطرا كبيرا بالوقوع في عزلة أسرية ومجتمعية. ومن جانبه قال الشاب الجامعي مروان علمي إنه يوجد جهل تام بين أوساط الشباب عن خطر تلك الشبكات وما تقود إليه من إدمان يصحبه عزله وأمراض نفسية، ووقوع بعض الشباب فريسة الأفكار المتطرفة والضالة. وأشار أمجد ساعاتي، الطالب بالصف الأول الثانوي، إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي وأدواتها من الاجهزه الذكية أصبحت بمثابة الماء والهواء اليومي للجميع من صغار وكبار، ولا يمكن أن أتخيل يومي بدون أن يكون النصيب الأكبر منه لاكتشاف كل جديد عبر شبكات التواصل الاجتماعي. يوضح الدكتور أحمد العسيري الباحث في علم الجريمة أن هناك ما يسمى بـ»الإدمان الرقمي»، وهو نوع من الإدمان أصبح خطرا يهدد الأجيال الحديثة والقادمة بمحض إرادة أولياء الأمور، وذلك لجهلهم وافتقارهم للوعي بمخاطره، ويندرج تحته نوع آخر أصبح يهدد عقول أبنائنا بشكل مخيف هو ما يدعى بالمخدرات الرقمية. وقال العسيري: لقد تم اكتشاف هذا النوع من الإدمان وأثره على الدماغ عن طريق الصوت عبر أبحاث علمية من قبل العالم الفيزيائي (هنري دوف)، وربط ذلك التأثير بالحالة المزاجية للشخص متأثراً بالموجات الصوتية والكهرومغناطيسية غير المنتظمة. ويرى العسيري أنه على الرغم من عدم وجود إحصائيات لحالات إدمانية أو مرضية فإنه لا بد من أخذ الحيطة والحذر ومراقبة أبنائنا بطريقة غير مباشرة لتجنب الوقوع في جانب عدم الثقة بين الأبناء والآباء. المزيد من الصور :
مشاركة :