كنت أقرأ مقالاته في مجلة (المجلة) أواخر التسعينات الميلادية، وأعرف قصة تطرفه السابق وسجنه، وفي عام 1999 تشرفت بلقاء منصور النقيدان شخصيا وسعدت بزمالته في صحيفة (الوطن) إبان تأسيسها وصدورها، وكان من خيرة الزملاء خلقا وتعاملا وعملا وفكرا وثقافة، وبقي فيها بعد فصلي عام 2002، ولخروجه منها قصة طريفة مؤلمة لعله يرويها ذات يوم، وكنت وما زلت دائم التواصل معه، والاستفادة مما يكتب ويقول، فهو مثقف ومفكر كبير. أمس الجمعة، وفي برنامج المذيع اللامع ياسر العمرو (بالمختصر) على قناة mbc، كان الضيف منصور النقيدان، وتناول الحوار قضايا عديدة كلها مهمة وملفتة وتحتاج تأملا ونقاشا، لكن أهمها في نظري قضيتان، الأولى: منبر الحرم المكي الشريف، والثانية: دور الاستخبارات. منبر الحرم لا يوجه خطابه كل جمعة إلى المصلين فيه فقط، ولا للسعوديين فحسب، وإنما يوجهه إلى مليار ونصف المليار مسلم، وتتم ترجمته إلى عدة لغات، وهناك أكثر من خمسين قناة تلفزيونية تنقله، ومعنى هذا أن خطبة الجمعة من الحرم المكي الشريف وكذلك المسجد النبوي الشريف تصل إلى العالم كله، وليس العالم الإسلامي فقط، فهل هذه الخطب الأسبوعية التي تصل إلى مسامع الدنيا تحمل خطابا يعبر عن جوهر الإسلام الذي جاء به محمد، صلى الله عليه وسلم للبشرية، كلها، بما يحمله من تسامح ولين وسماحة وحب وسلام؟! من وجهة نظري، إن بعض الخطب وفي جزء يسير منها ليست كذلك، فهي لا تعبر عن كل معاني الجوهر الإسلامي العظيم، بل ولا تعبر عن المملكة العربية السعودية التي عانت وما زالت تعاني من الإرهاب الذي أنتجه التطرف والتشدد الديني، وهي شكلت تحالفا عربيا إسلاميا من خمس وثلاثين دولة عربية وإسلامية لمحاربته، فماذا تمثل خطب الحرمين؟! إن بعض الخطب منها هي تعبير عن رأي الخطيب الشخصي ونظرته الخاصة وفهمه الخاص للدين والحياة، وهو رأي ونظرة يمكن احترامنا لها وتحملها وتفهمها لو قيلت في مجلس أو مقال أو حتى كتاب، ويمكن مناقشتها، لكنها لا يصح أن تقال من على منبر الحرمين الشريفين، فمهما كان الخطاب فإنه لا يصح أن يكون خطابا موجها إلى كل المسلمين وهو يمثل رأي شخص واحد، ثم ماذا نريد كمسلمين أن نقول للعالم كله؟! فإذا كنا ننفي عن ديننا التطرف والتشدد والإرهاب، فكيف يجمع البعض بين هذا النفي والتبرؤ، وبين خطب تحمل في ثناياها ما ينبئ تصريحا أو تلميحا بأن الإسلام دين العنف والكره والبغضاء لكل أصحاب الملل والنحل في الأرض، وتدعو عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، بل وتتخذ مواقف سلبية علنية حتى من بعض المذاهب الإسلامية المختلفة مع من اصطلحنا على تسميتهم بأهل السنة والجماعة، أليس هذا يجعل ويحمل كل من يسمع خطبا كهذه إلى كره الإسلام والمسلمين وتكريس صورة الإرهاب فيهم وفي دينهم العظيم؟! أليس هذا يضعف موقف المملكة وجهدها في مكافحة الإرهاب، والتبرؤ منه؟! أليس هذا التناقض عجيبا وغريبا؟! أليس في الإمكان تغيير هذا الخطاب الذي لا يعبر إلا عن آراء شخصية ما زال البعض مع الأسف الشديد يرددها ويكررها ويكرسها تحت سمع وبصر الجميع؟! لقد اقترحت قديما وما زلت عند رأيي، ضرورة تشكيل لجنة من العلماء المتنورين الفاهمين لعظمة الإسلام، وتقوم هذه اللجنة بكتابة خطب الجمعة للحرمين الشريفين بما يتناسب مع العصر، وبما ينسجم مع أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وأنه موجه للبشرية كلها، وليتنا نستعجل في تكوين هذه اللجنة، لتكون خطب الحرمين سندا وعونا للجهود المكثفة في مكافحة الإرهاب وتقديم الصورة الحقيقية الناصعة عن الإسلام وعن المملكة خاصة! وكما هو معروف فإن الخطب السياسية لمعظم زعماء دول العالم تكتبها لجان من المتخصصين ويتدرب عليها الزعيم قبل أن يلقيها لأنه يمثل دولته أمام العالم، فكيف بخطاب منبر الحرمين الذي يمثل دينا عظيما هو الإسلام، ومن بلد هو قائد ورائد الأمة الإسلامية هو المملكة العربية السعودية!. أما الاستخبارات فمن المعروف أن الاستخبارات العالمية لها مراكز دراسات وبحوث منفصلة عنها مكانا، متصلة بها جهدا وخدمة، بل إن الاستخبارات الأميركية - مثلا - من أعظم المستثمرين والمستفيدين من وسائل التواصل الاجتماعي وأهمها (تويتر)، والاستخبارات في كل بلد كما هو معروف جهاز وطني مهتم بالخارج، وله عملاء في معظم البلدان، سريون وعلنيون، وصاحب القرار يوجه سياسة الوطن الخارجية في ضوء تقارير استخباراتية دقيقة وموثوق فيها، فليت الاستخبارات العربية والخليجية بصفة خاصة والسعودية على نحو أخص تكون في هذا المستوى العالمي من الاحترافية والعلمية والقوة الناعمة، وأنا لا أعلم لكني آمل أن تكون كذلك، وتعليقي هذا جاء بسبب أن منصور النقيدان تمنى لو أن الاستخبارات الخليجية لديها مركز مثل مركز (المسبار الراقي) الذي يديره، وذلك عندما سأله ياسر العمرو عما يتردد من أن المركز صنيعة استخباراتية! فجاءت أمنيته وجاء تعليقي هذا، وكذلك تعليقي السابق أعلاه عن منبر الحرمين، لأن الله جل وعلا يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ. الرعد "11").
مشاركة :