"عندما تبلغ الثامنة عشرة من عمرك ستشعر بالقلق التام تجاه ما يعتقده الآخرون فيك.. وفي سن الأربعين لا تبالي البتة.. بما يعتقده أي شخص فيك.. وعندما تصل إلى سن الستين ستدرك أن أحداً لم يكن يفكر فيك من الأصل.. فهل تختصر الزمن وتدرك ما يدركه صاحب الستين عاماً؟ جاك كانفيلد ما بين الثامنة عشرة والستين من العمر امتداد للأيام.. وتغيرات جوهرية في الرؤية.. وفي الفكر.. وفي القدرة على الاستمرارية في الطريق الذي بدأته في الثامنة عشرة.. التي يعيش فيها الإنسان تحت ضغط ماسيقوله الآخرون.. ومايفكرون فيه.. وماسوف يعتقدونه عنه.. تتردد في أن تفعل شيئاً مشروعاً ومن حقك خوفاً من الآخرين.. تشعر دائماً أنك تحت ضوء غيرك مسلط عليك.. يراقبك.. وغيرك هم العائلة والجيران والأقارب والأصدقاء.. حتى من يعبرون شارعكم يعتبرون من هؤلاء المراقبين لك ولتصرفاتك.. وقد يمارس أحدهم عليك ابتزازاً ذات يوم لو عرف أنك تسلك سلوكاً ما.. رغم أن هذا السلوك أو التصرف كما تراه في سنك المبكرة عادي ولا يستحق انتقاد الآخرين.. لكن الإحساس الدائم بأنك جزء من منظومة أو ترس داخل آلة.. كل أفراد المجتمع أطرافها لا يدعك تفعل ما تريده.. ولم تتعلم ذلك المثل الشهير في كل المجتمعات ولكن بصيغ ومفردات مختلفة والذي يقول "من درى عنك ياللي في الظلام تغمز"..! ولكن يختلف شخص عن آخر في تقديره أو توقفه أمام ما يقوله الآخرون.. ويخضع ذلك لقوة الشخصية والتخلص من الخوف والخروج من دائرة الحصار.. وعدم الاهتمام بما يقولون على اعتبار أنهم لا يعنونه في شيء.. وبالتالي يسلك طريقاً يشعر فيه أنه حرّ وآمن مع نفسه وليس مع غيره..! في الثامنة عشرة يلفتك من يتحدث مع من بجانبه سراً وتعتقد أنه يتحدث عنك.. وقد تهتم بما قاله فيك كما تعتقد وتظل تبحث وتسأل.. على الرغم أنك لم تفعل شيئاً.. ولن تخاف أنك فعلت شيئاً أو عرف عنك شيئاً أنت لا تعرفه.. لا تكتفي بالانتباه له ولكن تحاول أن تتشكل كما يريد المجتمع.. وكما ينبغي أن لا يقال فيك شيء.. هل لأنك لم تعرف أهمية العمر وقيمته.. وأن كل يوم هو سحب من رصيدك في العمر وأنّ اليوم الذي غادر لن يعود؟ دلفت إلى العشرين وأنت لا تزال تبحث عن تلك اللحظة الفاصلة والحاسمة التي ستبدأ بها حياتك.. تبحث عن مقعد شاغر تجلس عليه رغم أنّ أحداً لم يمنعك من الجلوس.. لكثرة المقاعد الشاغرة لكن اخترت أن تظل واقفاً باحثاً عن مقعد يفرغ لتستند عليه بظهرك.. مابين العشرين والثلاثين ظللت متردداً ومكرراً نفسك في لون وطعم الآيام.. تقول أحدهم وصلت الأربعين وأنا أشعر بأنني لم أعشْ حياتي.. داهمني رعب وسيطر عليّ الخوف.. عندما اكتشفت أنني وبنفسي جعلت منها وجوداً لاغياً.. هذا هو الماضي كما عرفت اللحظة.. لكن لا أزال كما أشعر أقف فيه مستسلمة.. مسلّمة.. أتلمس خواطر الآخرين دون أن أتلمس خاطر عمر يتسرب من يدي.. ومابين الثلاثين والأربعين يقف أغلب الفلاسفة.. فهم يرون أن كل ما يعرف يمكن تعلمه بعد الثلاثين.. والبعض يتمنى لو توقف به العمر في سن الخامسة والثلاثين وعاش فيها حياة أبدية.. في ظل ذلك العمر ولا يغادره بعد ان اكتشف نفسه وتحرر من الخوف..! كل الخسائر قابلة للتعويض.. إلا أنك تخسر من عمرك أو كل عمرك باحثاً عن رضا الناس وأحياناً خائفاً مما سيقوله الناس.. لا تلبس كما تريد ولا تتصرف كما تريد دائماً تحاصر نفسك بهم وبما سيقولونه وليس هم من يحاصرونك.. تحدد كل شيء بالمقاس على مقاساتهم وليست مقاساتك أنت وكأن واجب الحياة الأساسي هو العيش لإرضاء الآخرين أو التصرف كما يريدون.. حتى تسلم من ألسنتهم..! ماذا يتبقى فالعمر هو الشيء الوحيد الذي لا ينتظر ويتسرب من أصابعك كالماء.. ليس بإمكانك أن تقبض عليه ولكن بالإمكان ملامسته والتوحد معه وعدم تركه يتسرب دون أن تراه أو تعرف عنه شيئاً وتكتشف بعدها أنك أضعته بعدم تقديرك له أو اهتمامك بقيمته.. لا بديل للعمر إلا العمر الضائع ولا بديل للحياة الحقيقية إلا الحياة المتسربة دون وعي.. ودون فهم..!! ليس وعظاً وليس تنبيهاً ولكن هل بالإمكان أن يتدارك الإنسان مبكراً عمره ويعرف ماذا يريد ولا ينتظر أن يصل بعد الخمسين ويكتشف أنه ضيعه في الأوهام وأنّ لا أحد كان مهتماً بماسيقول أو ماسيقوم به.. خلاصة الحياة انّ الناس كل يوم تنشغل بأمر جديد فما انشغلت به اليوم ستبدله غداً وبالتالي ستضيع عمرك معتقداً أنك بؤرة اهتمام الآخرين ومحط أعينهم.. مع أنك غائب تماماً عن الصورة.. مشكلة الحياة أو العمر أنها تتحرك بحرية ولكن نحن من ندفعها إلى مسار أن تكون فيه مشروطة لا نعرف ما نريد ولو عرفنا نخاف منه لمصلحة الآخرين.. نبدد هوية العمر على أعتاب الانتظار للغد أو لحين التقدم في السن.. لنقرأ بعد أن فات الاوان.. لكن لمن يتفهم لا يفوت الأوان أبداً طالما العمر تفيض آيامه وعليك أن تدرك الآن ما لم تدركه من قبل.. فالعمر لا يحمي المتخاذلين عن فهم فلسفته ولا يرحمهم عندما يتحولون إلى ضحايا أيام تسربت من أيديهم..!!
مشاركة :