العش الفارغ!

  • 2/13/2023
  • 00:13
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

‏(يا إلهي! كل يوم يزداد صعود الدرج صعوبة، العشاء علبة أندومي منذ رحيل شريك العمر، يا للهول ماذا سيحدث إذا أصبت بارتفاع مفاجئ في ضغط الدم أو دخلت في غيبوبة سكر فوقعت أرضا وأنا وحدي في المنزل)؟! هذه بعض كلمات كبارنا ممن فرضت عليهم الحياة العيش وحدهم، فحين تكون الوحدة رفيقا تغدو المخاوف والظلال الداكنة نزيلا دائما، ويعترض الكثيرون بالقول كيف ولم لا يسكنون مع أبنائهم مجتمعنا كله خير؛ فأين المعضلة؟‏الحقيقة أن الظروف تفرض على بعض العائلات شروطها كسفر الأبناء بسبب العمل أو العلم، وتجدر الإشارة إلى أنه حتى لو قام الأبناء بواجبهم تجاه والديهم إيفاء لذرة من حقوقهم فطلبوا انتقالهم للإقامة معهم معززين مكرمين فسيواجهون بالرفض غالبا (هذا المنزل لا أستطيع مغادرته، لقد عشت هنا 30 عاما، هذا هو وطن ذكرياتي وموطن عمري، لا أريد مكانا آخر)! فهل السبب منطقي حقا؟ نعم وبكامل المنطق هو حق، يمضي الإنسان حياته عاملا جاهدا لتأمين بيت العمر الجميل، ثم تمضي السنون بأسرع مما توقع فيمتلكه لكن بعد تقدم العمر وتبدأ العقبات في طريق تمتع البعض؛ فمن المتقاعدين إنسان وهن فقد العون أو كهل كئيب يعاني الوحدة أو مريض في حالة صحية غير مستقرة ومع ذلك يصر كل منهم جازما على البقاء وهذا طبيعي فهل يظن أحد أنه سيتخلى عن مسكنه الحلم ببساطة؟ فلو كنت مكانه أيها القارئ الحصيف غالبا ستسأل نفسك هل ذهب كل عملي سدى أو كان ذلك المنزل مجرد حلم فقط يا ترى؟ الإجابة الحاسمة هي (لا) هذا ليس حلما ولا سرابا ولا ينبغي أن يكون أبدا (فما هذه المتاهة إذن؟) كلا ليست متاهة إنما تغيرت الظروف وضاق الوقت في ظل الحداثة ولا نملك إلا المواجهة، فكيف السبيل وما الحلول؟‏في هذه الزاوية الدقيقة يذيع لنا أهل الاختصاص خبرا جميلا.. إذا كنت من فئة الأشخاص المنظمين ممن يعتمدون التخطيط منهجا حياتيا فالأمر يسير؛ فإن وجدت أحد والديك أو أحد كبار الأسرة على مشارف أو متن رحلة التقاعد يمكنك اقتراح الاستراتيجية (طويلة المدى) وكل ما عليك بعد أخذ الموافقة وضع بعض الإجراءات الاستباقية وتأمين الميزانية اللازمة، وهذا بتطبيق آليتين مهمتين هما (إدارة الحالة الصحية وإدارة الأموال).الأولى تتضمن القيام باستكشاف الحالة الصحية الخاصة مع الطبيب وتحديد المطلوب للمساعدة في أعباء المنزل والعناية الشخصية اليومية ثم إجراء بعض التغييرات البسيطة المناسبة في المنزل ليكون أسهل في الاستخدام وأكثر أمانا، ومن الممارسات الشائعة تصميم منحدر عند الباب الأمامي وتثبيت قضبان في حوض الاستحمام وتركيب أرضيات غير قابلة للانزلاق ومقابض مريحة على الأبواب أو الصنابير وأزرار ذكية لإطفاء الأنوار والتحكم في الأجهزة الكهربائية مع وضع جرس طوارئ في غرف المنزل.والثانية تشتمل على إعادة الترتيبات حيال الموازنة بين الدخل والمصروف كمتابعة الحساب البنكي واستلام مزايا الضمان الاجتماعي أو أقساط القروض الشخصية والعقارية وبطاقات الائتمان ورسوم الرعاية وسداد الفواتير، والأهم تجنب الاستغلال وعمليات الاحتيال المالية فمن المفيد أحيانا تعيين مستشار مالي موثوق للمساعدة.‏أما في روتين الحياة اليومية فيمكن قيام الشخص بنفسه بالاستعانة بالتطبيقات للتذكير بالمواعيد والأدوية أو للطلب من المطاعم وغيرها وإرشاده لو لزم، وإذا احتاج إلى الرعاية المؤقتة خلال ساعات النهار أو الليل لوجود أبنائه في أعمالهم فحبذا التنسيق مع الأقارب والجيران أو مركز الرعاية النهارية ومستوصف الحي لاصطحابه وقد يتطلب الأمر وجود مساعد صحي منزلي مقيم من جهة معتمدة، ومن الضروري تأمين قلادة تعريف طبية خاصة بحالته الصحية متضمنة اسم ومعلومات شخص موثوق من قبله لاتخاذ القرارات اللازمة في حالات الطوارئ الطبية.‏في هذا التقاطع يبرز الاكتئاب كأحد أصعب التحديات التي تقلل (جودة الحياة) بين من تزيد أعمارهم عن (50) عاما حيث ترتفع الإصابات إلى نسبة 25% وهو مؤشر على العديد من المشكلات الصحية والسلوكية كارتفاع ضغط الدم وتراجع الصحة العقلية وانخفاض الأداء البدني ومشاكل النوم، لذا قامت الدول المتقدمة بتطبيق برامج طبية خاصة لمساندة الكبار في المنزل أو العيادة بشكل منتظم لدعم الحياة النشطة وتحسين الحالة المزاجية وتشمل التثقيف والمشورة والأنشطة، وهذه الآلية ساهمت بتأثير إيجابي كبير فانخفضت نسبة الاكتئاب في العينات البحثية إلى النصف ويعزو الباحثون ذلك لتراجع الضغط النفسي وتعزيز الإحساس بالتقدير والحب والأمان وفي النهاية (درجة رضا أعلى عن الحياة). هذه النتيجة تؤكد ضرورة وجود هذه الشبكات الاجتماعية الداعمة.وفي هذا المحور دعونا نتساءل ماذا سيكون إحساسنا إذا غدونا يوما مجبرين على تناول الطعام بمفردنا كالطير في (العش الفارغ)؟ كبارنا هم كبارنا دائما سنا ومقاما، هم رأس المال والحكمة والثروة المجتمعية، إنصاف كبارنا حق أصيل وعمل نبيل يسمو بمجتمعنا إلى رتبة الإنسانية، وعلى محمل الوفاء هل نرد دينهم؟من نافل القول أن مملكتنا الغالية أولت أهمية قصوى لحقوق المسنين لا سيما وأن النظام الأساسي للحكم أكد على ضرورة توفر قنوات الدعم والرعاية والتسهيلات اللازمة لخدمتهم على الوجه الأكمل، ومؤخرا تم التشديد على ذلك بفرض عقوبة السجن وغرامة مالية على أي إهمال لكبار السن توكيدا على أن هذه الفئة كرست حياتها للعطاء والتضحية فهي تستحق الاحترام والتقدير والامتنان، وإذا كان عدد المتقاعدين قرابة المليون شخص وفقا للمؤسسة العامة للتقاعد.. إذن هو رقم ليس من الصعب مساندته وتثقيفه عبر المؤسسة والقطاع الخاص بمثل هذه البرامج الاجتماعية.‏المجتمعات المتقدمة تفخر بتأمين «المتقاعد الوثير في منزله الأثير» وبيت العمر عمود التقاعد، هنا نرفع الصوت بتحية إكبار وإجلال ونقول لكل كبير من أهلنا وبكل تقدير: الحمد لله حياتك طويلة بالخير.. وهذا الحلم حقك وأبدا لن تكون ضعيفا ولا مهانا ولا وحيدا، وأيا يكن يمكنك أن تعيش أنى وأينما تحب وكيفما تحب وأنت تستحق وأكثر. (كبارنا تاج على رأس مجتمعنا).. فاليوم (هم) هناك وغدا (نحن) هناك.. نعم نحن مؤهلون وهم يستحقون!@RimaRabah

مشاركة :