هناك تشابه بين قفزة «الباراشوت» وأداء بعض الحكومات. ذلك أن المظليين عندما لا يأخذون احتياطاتهم للسيناريو الأسوأ فهم يقفزون إلى المجهول. لن تتعطل البشرية عندما يلقى شخص حتفه؛ لكن الأمة بأسرها قد تتعطل وتتراجع عندما لا تخطط حكوماتها المتعاقبة للسيناريو الأسوأ. كان الإنسان منذ فجر التاريخ يخطط للبقاء على قيد الحياة، ثم أصبح المحك البقاء في دائرة التنافس. فمن يبتعد عن المنافسة يتراجع؛ لأن العالم في سباق «ماراثون»، يُهزم فيه من بالغ في التقاط أنفاسه أو التوقف للتوافه. فحركة أفواج الأمم من حوله أسرع من أي وقت مضى. فقد ارتفعت مستويات التعليم وتحسنت الاقتصاديات إلى مستويات غير مسبوقة، وانتقلت أسرار الصنعة بسهولة، فصار أقصى الشرق ينافس الغرب؛ بل يهدده بالتكنولوجيا وضخامة الإنتاج والتمدد الصناعي المذهل. ولذلك حتى ننافس كأمة، لا بد من أن نعود للسؤالين الجوهريين: أين سنلعب؟ وكيف سننافس؟ وقد بُنيت عليهما أشهر وأقدم وثيقة مكتوبة في التخطيط الاستراتيجي، وهي كتاب الصيني صن تزو، بعنوان «فن الحرب»؛ حيث كتبه قبل الميلاد. ثم ترجمه الغربيون قبل نحو 150 عاماً. وعندما تفتح أمهات كتب التخطيط الاستراتيجي تجدها تتمحور حول هذين المحورين. قال رئيس مؤتمر القمة العالمية للحكومات، الوزير محمد القرقاوي، أمس، في دبي، إن «العالم سوف يشهد ثورة بيولوجية ستتفوق على الثورة التكنولوجية»، وإن «الأمي سيكون الشخص الذي لا يستطيع العيش والتعامل مع تقنيات الذكاء الصناعي». وقال أيضاً إن «85 مليون وظيفة شاغرة عالمياً بسبب غياب المهارات المناسبة لتوليها». وهذا كله يشير إلى أننا أمام عالم مختلف يتطلب جهوداً كبرى للمحافظة على تنافسيتنا. كل الشركات والبلدان الناجحة وضعت مؤشرات أداء، وهي مثل علامات الطريق، تؤكد لهم أنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح. وهي من أبجديات أي تخطيط، فلا يمكن أن نتوقع مستقبلاً زاهراً لأمة لا تسير في الاتجاه الصحيح. فكيف ننطلق بالسيارة شمالاً ثم تفاجئنا علامات الطريق بأننا نسير جنوباً! لا بد من التوقف الفوري واستدراك الوجهة، وإعادة النظر في القائمين على الرحلة. كيف يمكن أن أحل مشكلة التوظيف وأنا لا أرى الأرقام المخطط لها تتناقص حسب الخطة؟ كيف أقلص الفجوة بين عوائدنا ومصاريفنا، في ظل ازدياد الإنفاق ومحدودية الدخل؟ كل الإنجازات التي يشار إليها بالبنان جاءت عبر التخطيط، وليست وليدة الصدفة. يمكن أن يجازف فرد بصحته أو حياته؛ لكن خطأ الحكومات التي تقفز بشعوبها إلى المجهول هو خطأ لن يغتفر.
مشاركة :