أثارت زيارة وزير الخارجية ايمن الصفدي الى دمشق، وعقد لقاء مع الرئيس السوري، ردود فعل واسعة، في محاولات لاستبصار دوافع الزيارة غير التعبير عن التضامن مع السوريين. هذه الزيارة هي الاولى لوزير خارجية أردني منذ الفوضى السورية، والوزير التقى مرتين في وقت سابق، وزير الخارجية السوري، وسبق ذلك زيارة وزير الدفاع السوري الى الاردن، وبحث ملفات تتعلق بالارهاب وامن الحدود، وتنسيق وزاري فني بين البلدين في ملفات متخصصة، من بينها ملف المياه، والتجارة، والنقل، وتنسيق عسكري وامني عبر خطوط غير معلنة، وبعيدا عن الاشهار السياسي والاعلاني، وغير ذلك، لكن كل ذلك لم يطور العلاقة السياسية بمعنى جذري، حيث بقيت العلاقة بين السخونة والبرودة والغموض، تتناقض فيها كل المؤشرات. خلال الفترة الماضية، اجرىت اتصالات هاتفية بين الملك والرئيس الاسد، كان آخرها عقب وقوع الزلزال الذي ادى الى رد فعل اردني واسع، سياسيا، وشعبيا، حيث تدفقت المساعدات جوا وبرا، بكلف مالية مرتفعة، واطلقت مؤسسات ونقابات اردنية حملات لإغاثة السوريين، امام المحنة التي ادخلت الأسى والحزن الى بيوت الأردنيين، بسبب شدة التأثر بالمأساة. المحطات المتقطعة في العلاقة مع السوريين، جوبهت باعتراضات اميركية احيانا، اذ اعترضت واشنطن على تصعيد التبادل التجاري، بين القطاعين الاردني والسوري، قبل مرحلة وباء كوورنا، وبسبب عقوبات قيصر المفروضة على سورية، وكان هناك تحفظ اميركي على تصعيد العلاقات الاقتصادية، والسياسية، وان كان للأردن مصالحه التي تتجلى بتحسين العلاقات مع جيرانه، بسبب قضايا مختلفة، من بينها وجود اكثر من مليون ونصف شقيق سوري، يريد الأردن التهيئة لعودتهم طوعا، اضافة الى ما يتعلق باستقرار المنطقة وملف الارهاب. كان للأردن وعواصم عربية فاعلة رأي آخر قيل عبر الاتصالات المباشرة مع الاميركيين، ويقول هذا الرأي ان علينا ان نحاول استرداد دمشق للحضن العربي، وفك عزلتها العربية والدولية، بدلا من تركها للروس والايرانيين، وهذا الرأي لم يرفضه الاميركيون كليا، بل تقبلوه ولم يعارضوا محاولات الأردن وغيره، تجربة هذه النظرية المستجدة، وهي نظرية ثبت لاحقا، انها لم تنجح تماما بسبب حسابات السوريين المعقدة، وبسبب استحالة فك الارتباط بين السوريين، من جهة، والايرانيين والروس، من جهة ثانية، اضافة الى حساسيات دمشق الرسمية من الدول العربية التي تعتقد انها ساهمت بالحرب ضد سورية، لكنها عادت متأخرة بعد ان فشلت هذه الحرب، في اسقاط النظام، وهي عودة قابلها السوريون ببرود وشكوك. في كل الاحوال تراجع الاندفاع العربي نحو سورية، بعد محاولة تجريب النظرية السابقة، وبات الموقف العربي والغربي يقوم على فكرة واحدة، تقول ان النظام السوري لا يراد تغييره، ولا يمكن تغييره حتى الآن، ومن الافضل اعادة انتاج العلاقة معه، خصوصا، انه لا يبتعد عن الروس والايرانيين، اضافة الى عدم ممانعة الاميركيين من وجود علاقات بسقف منخفض. الفاجعة التي زلزلت سورية، وجوارها ايضا، فتحت ثغرة انسانية في جدار الحسابات السياسية، لكنها لم تغير هذه الحسابات كليا، والأردن كان قد اطلق في شهر 9 من عام 2022، مشروعا لمبادرة عربية لحل سياسي من اجل ان يتبناه النظام السوري، وقوبل من دمشق الرسمية بعدم اهتمام، ومطلع هذا العام، عاد الأردن للحديث عن هذا المشروع، مع تحسن جزئي في المزاج السوري، بحق المبادرة، لكن دون خطوات عملية على ارض الواقع. الأردن لم يستغل بانتهازية الازمة السورية، للنفاذ الى دمشق الرسمية، لأن الأردن تاريخيا وقف الى جانب دول بعيدة، وله حملات اغاثة وصلت اكثر من 40 دولة، وفي الحالة السورية هذا حق الشقيق على الشقيق، وربما هذه المحنة تعيد انتاج حسابات دمشق، خصوصا، مع استهداف معسكرها الام، اي ايران وروسيا، من جانب العالم، بما يعني ان ملاذها هو العالم العربي، مع معرفتنا ان هذا الملاذ له اشتراطاته التي قد لا يقبلها السوريون ايضا. سورية بحاجة الى جهد عربي وازن للوقوف الى جانبها، بسبب كلفة الحرب، والصراع، واللجوء، والزلزال، وغير ذلك، وعلى النظام الرسمي العربي ان يخرج من ذهنية الذي يجوز له فرض شروطه على طرف ضعيف وتحت الفواجع- اي السوريين- وان يساعد السوريين، بروحية الشريك لا..السيد، خصوصا، مع شكوك السوريين في اغلب العرب ومرجعياتهم. الغد
مشاركة :