واصلت العملة الإيرانية انحدارها السريع في ظل تزايد ملامح اختناق الاقتصاد المحلي مع استمرار أزمة الوباء، التي أطاحت بوزير الصناعة، وانعكاسات إعادة فرض العقوبات الأميركية منذ أكثر من عام ونصف العام، وسط ترجيحات المحللين بمزيد من الركود في الأنشطة التجارية مع اتساع المخاوف والارتباك اللذين ظهرا على السلطات. أكد محللون ومواقع عالمية تراقب الأوضاع الاقتصادية في إيران أن العملة المحلية انهارت الثلاثاء إلى 170 ألف ريال للدولار، لتصل خسائرها منذ بداية العام الحالي إلى عشرة في المئة. ويأتي هذا التراجع بعد يوم من إقالة وزير الصناعة، رضا رحماني، الذي قال إنه تلقى تهديدا من الرئيس حسن روحاني، الأسبوع الماضي طالبه فيه بالاستقالة إذا لم يوافق البرلمان على تشكيل وزارة التجارة. وفاقمت أزمة كورونا في ظل إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران من مشاكل الريال ووضعته على طريق من اتجاه واحد وسط تزايد المؤشرات على اختناق كافة الأنشطة الاقتصادية بالبلاد. وأظهر موقع بونباست، المختص في تتبع سوق العملات في إيران، أن سعر صرف الدولار ارتفع أمام الريال، بعد أن كان يتراوح بين 150 و160 ألفا للدولار. لكن محللين يعتقدون أن قيمة العملة الإيرانية قد تكون أضعف من ذلك بكثير، إذ لا تكشف إيران بوضوح عن عمق انحدار الريال بسبب ندرة الصفقات التي يتم إبرامها. وأثارت مصادقة البرلمان مطلع الشهر الجاري على مشروع قانون قدمته الحكومة يسمح بحذف أربعة أصفار من الريال موجة تساؤلات عن جدوى الخطوة التي تقول طهران إنها ستساعد على عدم انهيار العملة مستقبلا. وقالت وسائل إعلام إيرانية رسمية، إنه بموجب المشروع ستتغير العملة من الريال إلى التومان، والذي يساوي عشرة آلاف ريال. وهيمنت مخاوف الاقتصاد بالفعل على أسواق العملات الأجنبية في إيران، منذ أن أعلن المسؤولون عن اكتشاف أول حالة إصابة بفايروس كورونا قبل نحو شهرين. وكان انخفاض قيمة العملة الإيرانية بعد إعادة فرض العقوبات قد عطّل التجارة الخارجية وفاقم التضخم السنوي الذي توقع صندوق النقد أن يصل إلى 31 في المئة. ومن المتوقع أن يؤدي انتشار كورونا في إيران إلى المزيد من التقلبات في أسواق العملات الأجنبية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم الذي بدأ في التراجع مؤخرا. وتشير التقارير المالية إلى أن معظـم مكاتب الصرافة في إيران أغلقت أبوابها خلا الأشهر القليلة الماضية، أو كتبت يافطة تعلن أنها لا تملك أي عملات أجنبية. وذكرت أن الكثير من الإيرانيين الخائفين من فقدان قيمة أموالهم يطاردون أي أثر للعملات الأجنبية وأنهم مستعدون لدفع أسعار أعلى من تلك التي يعلنها موقع بونباست. وتعرض الاقتصاد الإيراني إلى ضربة قاسية لم تكن في الحسبان مع تزايد المخاوف من تفشي فايروس كورونا بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة وتداعياته الكارثية المحتملة. وتكشف إقالة رحماني، وهي المرة الأولى، التي تقوم فيها الحكومة بهذا الإجراء منذ أكثر من أربعة عقود، عن مدى التخبط السياسي للمسؤولين وعدم قدرتهم على النهوض بالاقتصاد، الذي يطغى عليه الفساد. وتشرف الوزارة بشكل مباشر على بعض من أكبر المجموعات الصناعية بالبلاد، ومن بينها شركة إيران خودرو الحكومية لصناعة السيارات وشركة إيميدرو القابضة للتعدين والمعادن. وذكرت وكالة تسنيم الإيرانية أن روحاني عيّن حسين مدرس خياباني قائما بأعمال الوزير، حتى اختيار وزير جديد وتقديمه للبرلمان، للتصويت على منحه الثقة. وكتب رحماني في رسالة إلى روحاني، قال فيها إنه “لم يكن له علاقة برفض البرلمان الموافقة على تشكيل الوزارة، ولا مسؤولية له عن قرار البرلمان رفض الطلب الذي قدمته الحكومة لتشكيل وزارة منفصلة”. وأشار أنه تلقى الاثنين اتصالا من محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني وطالبه بالاستقالة بينما كان في اجتماع لتعزيز التصدير في الوزارة. ويؤكد مراقبون من داخل إيران أن إقالة رحماني جاءت على خلفية ارتفاع أسعار السيارات بشكل غير مسبوق في السوق المحلية خلال الأيام الماضية. وأشاروا إلى أن سعر سيارة سايبا محلية الصنع، على سبيل المثال، تضاعف في غضون شهرين ليصل إلى نحو 5600 دولار على الرغم من إعلان الشركة المصنعة عن توقف الإنتاج. وتعطي تحليلات الخبراء وأرقام حديثة تم الكشف عنها لمحة عن مدى الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد في ظل العقوبات الأميركية، والتي زادت واشنطن من وطأتها، حيث حدّت بشكل كبير من بيع طهران لنفطها في الأسواق العالمية. ويقدّر صندوق النقد الدولي تقلص الاقتصاد الإيراني بنسبة 9.5 في المئة العام الماضي رغم نجاح القطاعات غير النفطية في النمو بنسبة 0.9 في المئة في الربع الأخير من العام، مدفوعة بانتعاش الصناعات التحويلية. وبلغ متوسط الصادرات غير النفطية العام الماضي نحو 3.5 مليار دولار، فيما وصل متوسط الصادرات الشهرية من إيران إلى العراق حوالي 650 مليون دولار، وإلى تركيا قرابة 400 مليون دولار شهريا. وفي محاولة يائسة لتجاوز الأزمة تبحث طهران عن توفير السيولة المالية اللازمة لنفقاتها المتراجعة بفعل تراجع إنتاج وتصدير الخام، لاستغلالها في مرافق إنشائية في قطاعي النفط والغاز. ونقلت وكالة تسنيم عن بيان لوزارة النفط الإيرانية نشرته على موقعها الإلكتروني أنها تتجه إلى الاقتراض عبر إصدار سندات بقيمة إجمالية 217 مليون دولار، لتمويل مشروعات للنفط والغاز الطبيعي. وتوقع مركز بحوث البرلمان الإيراني أن تؤدي التداعيات الاقتصادية الناجمة عن أزمة كورونا إلى إلحاق أكثر من 6 ملايين شخص بصفوف العاطلين عن عمل.
مشاركة :