د. عبدالله الغذامي يكتب: الطعام بوصفه متعةً جسدية ومتعةً عقلية

  • 2/25/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في هذا الزمن شاع مصطلح (غداء عمل) ويقصد به أن يجري اجتماع على المائدة، فيوفرون وقتهم بين مناقشة لأمرٍ لا يحتمل التأجيل وبين وجبةٍ حان موعدها، أي أنها فرصةٌ لاصطياد الوقت الذي يحتاجه الطعام مع الوقت الذي يحتاجه العمل، وكأنهم بهذا يصيدون عصفورين بحجر واحد، ولكن الذي يحدث فعلاً هو التضحية بمتعة الطعام، وهي متعةٌ جوهرية من أجل تغذية صحية بدنياً ونفسياً، ويتكرر مثل هذا ما يشاهد من انشغال الأطفال بالأجهزة أثناء تناولهم طعامهم بحيث يلتصق وجه الطفل مع الجهاز ويده تحرك الملعقة على طبق الطعام، والطفل هنا يفقد حس التذوق ويفقد مهارة مضغ الطعام ولا ينال من طعامه إلا ما يملأ بطنه ولكنه ليس مع الطعام لا بمعناه ولا بحسه ولا بذوقه، وتضيع وظيفة الطعام في المثالين معاً مثال غداء العمل ومثال غداء الأجهزة، وهذه تربيةٌ ذهنية شاذة وغير طبيعية، حيث إن الطعام يقوم مقام المحطات الوقتية أثناء يقظة الإنسان ليمثل تغذيةً روحيةً وعقلية وذوقية فيها متعة من أهم متع الجسد بالتذوق ومعاشرة لحظة التغذية، وكذلك فيها متعة التثقف العقلي حول أحوال الطعام وعلاقته بإمتاع النفس مع تغذية البدن، وقد كنت في مطلع حياتي العملية أسمع نادرة عن رجل أعمال كبير في جدة يقولون: إنه يسأل زوجته دوماً هل تناول عشاءه، ويكون فعلاً قد تناوله، ولكن انشغال ذهنه بتجارته وأمواله يجعله يأكل من دون وعي ومن دون حس لدرجة أن الطعام صار أهون ما تتذكره نفسه، وهنا يكون قد فقد قدرة مشاعره على التمييز في شيء هو من أهم مقومات حياة الإنسان، ويذكرني هذا بقصة تختلف عن هذا كله حول قيمة الغذاء ومقامه الروحي والنفسي وهي قصة رواها لي رجل من الهنود الحمر في مدينة سياتل غرب أميركا، وكنت قابلته لأنه ناشط في حفظ حقوق الثقافة الهندية الحمراء، وروى عن تقاليد الطعام وأن من تقاليد الهنود الحمر احترام المأكولات ويعاملونها بوصفها كائنات عاقلة، وذكر قصة واحد منهم يتحدث مع الخروف وهو يذبحه فيخاطبه بصوت مسموع ويعتذر منه أنه اضطر لذبحه لأنه جائع ولولا الجوع ما فعل ذلك، ويؤكد للخروف أنه يحبه كما يؤكد عليه أنه لن يموت فعلياً، ولكنه فقط سيتحول إليه ويندمج مع لحمه ودمه وأنه سيعيش عبره ولسوف يهتم به كونه سيصبح من نسيج جسده وخلاياه، وهذا يجعلهما معاً سعداء لأنهما سيتحدان في جسدٍ واحد عوضاً عن كونهما في جسدين، ويظل الهندي الأحمر يخاطب خروفه، مع تأكيد الراوي أن الهندي الأحمر لا يفرط بخرافه ولا يبيعها للجزارين وأنه فقط يذبح حين يجوع ولا يجد غذاءً يطفئ جوعه ولهذا يدخل في مفاوضة مع الخروف وكأنه يدعوه لضيافة روحية باختلاطهما في جسد واحد.

مشاركة :