عندما يغيب الاعتدال والتوازن في مفهوم الحياة وكيفية النظر إليها، وتستغل الأديان كوسيلة للتأثير على الجموع، فتحرك العاطفة الوجدانية والدينية تجاه الخاطئ والمجهول، هنا تصبح أحد الأدوات السلبية والمتطرفة التي تغذي العقول بفكر متطرف ومتعصب لا يشاهد غير نفسه. هناك من يخطط، وينشر سمومه في الخفية، مستغلاً فئة الشباب في الترغيب والجذب لتنفيذ ما يرغبون به، فيلعبون على العواطف، وخصوصاً في ما يخص الدين، فتخلط الأمور كما يرغبون، ويشعلون حماس الشباب لذلك، مستغلين هوية الشباب التي تبحث عن القوة وإثبات الرأي والوجود، هكذا يتم تمرير هذا الفكر بسهولة، بإثارة حفيظة الشباب، ومشاعرهم الوجدانية، والدينية، مستغلين جهلهم في ذلك. يستغلون فئة عمرية معينة، فئة تتمتع بالطاقة العالية، والحركة، والقوة، وأيضاً قلة الخبرة، وعدم النضج الفكري، والديني، من طريق التحريض، والشحن، وإثارة الغيرة على الدين، مدعين كل ما يثبت حجتهم، كما يحاولون إعطاء هؤلاء الشباب القيمة الوهمية بأنهم رجال ومستقلون، لذا تكثر الألقاب التاريخية لديهم، فيتوهم هؤلاء الشباب بهذه الأدوار الوقتية لتنفيذ عملياتهم الإجرامية. دائماً يخطر في الأذهان، لماذا هذا العنف والتطرف؟ لقد أسهب العديد من المختصين في شرح آليات الفكر المتطرف وطرق انتشاره، فهو لم يكن وليد اللحظة أو اليوم، هو حصيلة سنوات طويلة معتنقةً فكراً متصلباً وجامداً، تكفِّر كل مختلف عنها، اتصفت بالتزمت والغلو والقدسية، وعملت جاهدة في بث أفكارها في المحيط القريب من أبناء المجتمع، بشعارات عدة، مغلفة بظاهرها الديني، وباطنها يعج تطرفاً وإرهاباً وغلواً، حتى وصلت لمرحلة الانفجار والظهور على السطح علناً، مخفية أسماءها، لكنَّ أفعالها تنفِّذ، وتفجِّر، وتكفِّر. محاربة هذا التطرف يبدأ بعوامل عدة متشابكة مع بعضها، فلن يذهب حتى تتضافر كل الجهود في القضاء عليه، وهذا يحتاج وقتاً وزمناً، إذ لا بد من الاعتراف أن هناك جذوراً تسعى وترمي جاهدة في بث سمومها خفية، لمقاصد سياسية لا دينية كما يعتقد الغالبية، تظهر أنانيتهم في حب السلطة والسطوة، لتحقيق أحلامهم التاريخية الوهمية، ليعيدوا أمجاداً في عقولهم، حتى لو كانت على سفك الدماء، وزعزعة أمن، وهدم أرض، لأن هدفهم بعيد تماماً عن الدين، الذي حفظ كرامة الإنسان، واحترام معتقدات الآخرين، وعلى رغم ذلك فهؤلاء المتطرفون فجَّروا وآذوا مسلمين مؤمنين يشهدون أن لا إله إلا الله، الإسلام دين محبة، وسلام، وعدل، ورحمة، فكم تلاعبوا في ذلك. لابد من محاربة الفكر بالفكر كما بدأ، فلن يتزحزح هذا الفكر إلا من خلال فكر نيّر، ومسالم، وعادل، ومحب، وهذا دور كل المؤسسات الدينية في المساجد والمنابر، والمؤسسات التعليمية جامعات ومدارس، ومؤسسات اجتماعية كجمعيات ومراكز، ومؤسسات إعلامية إذاعةً وتلفزيوناً وصحفاً، هنا دور الجميع أن يتحدث عن السلام، عن الاعتدال، عن المنهج الديني الصحيح، المحب والمعطاء، زرع ثقافة قبول الآخر والمختلف عنا، تنمية ثقافة حسن الظن، والابتعاد عن التجريم والتكفير. المؤمن والمسلم في منهجه الصحيح لا يخاف من التحليل والتفسير، لأنه يثق بدينه وحجته وإيمانه. ولا سيما ونحن في القرن الـ21، لن يقبل الأفراد أو فئة الشباب التلقين فقط، فهم توّاقون للمعرفة من خلال تفسيرها وتحليلها، وهذا من أقوى الأشياء التي تجعلهم أقوياء ضد أي تطرف وتعصب جاهلي غير صحيح. شبابنا يحتاج إلى التنمية العقلية في كيفية التفكير والتحليل، وهذا لا بد أن يتوافر في المناهج، وطرق تدريسه، وكيفية إعطاء المعلومة التي تحرص على تشغيل العقل في المقارنة والتفسير، والابتعاد عن الطرق التقليدية في التلقين والحفظ، لا بد من تحريك عقولهم في طرح الأسئلة، والابتكار، والقدرة على الحوار، والمناقشة، هذا بالذات ما يجعل منهم شباناً مفكرين ومحللين، ولا يقبلون أي فكرة هوجاء يتعرضون لها، لأننا أعطيناهم الأساس في الاعتماد على أنفسهم وتشغيل قواهم العقلية، وتنمية الإحساس بالمسؤولية أنهم يستطيعون أن يتخذوا القرار من تلقاء أنفسهم، من دون الاعتمادية والاتكالية التي كان في السابق يكتسبها، من حفظ ما يقوله له معلمه أو والده فقط، كأمر ونهي التي كانت – للأسف - تعطل مداركه المعرفية. لا بد من وضع قانون يحاسب العنصرية والطائفية البغيضة وكل من يثيرها، للمحافظة على أسس ومبادئ إنسانية عظيمة لا تقبل التقسيم، والمقارنة، وهضم الحقوق، في كل المجالات التعليمية، والوظيفية، والمعيشية، وغيرها، القانون سيكون سلاحاً ضد أي نفسٍ تفكر في إثارة بلبلة معينة، أو عمل شيء مخالف، ستعرف أن هناك قانوناً يطبق في حال ثبات أي اعتداء لفظي أو فعلي. علينا أن ندرك أن على هذه الأرض أفراداً مختلفين في معتقداتهم، ومذاهبهم، وأفكارهم، وميولهم، وتوجهاتهم، ورغباتهم، علينا احترامها، طالما لم تضر بعضها ولم تؤذي بعضها، ولم تتعدى على الأسس التشريعية، والقانونية، والأنظمة المجتمعية. Haifasafouq@
مشاركة :