القرآن الكريم بين المذاهب والمثقفين - د. إبراهيم المطرودي

  • 2/4/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المذاهب الدينية، وهي التي يهمني شأنها، تدعو إلى علمانية عقلية فكرية، محورها الأساس فصل العقل، وليس الواقع، عن الدين ونصوصه، وبلا كثير تفكير سيظهر لنا أن الدعاة إلى العلمانية الواقعية؛ لن يجدوا شيئا أنفع لهم، ولا أنصر لقضيتهم، من هذه النظرة التي تفصل العقل عن النص، وتُبعده عنه؛ نحن اليوم بين فريقين؛ الأول، وهو مذاهبنا الدينية، والثاني وهو فريق من المحدثين؛ الأول يرى أن الخروج عن أقوال الأولين ممنوع شرعا؛ لأنها اتفقت على رفض غير ما اختلفت آراؤها فيه، والثاني يرى، بناء على رأي هذه المذاهب؛ أن النص نفسه غير قادر على بذل المزيد، فنحن في نِهاية المطاف يجب علينا أن نعترف أن المنقول عن الأسلاف باختلافهم هو غاية ما يمكن الوصول إليه في فهم الدين، وهو غاية ما يستطيع النص الديني، سواء كتاب الله تعالى أم السنة الصحيحة، أن يمنحه لقارئه، والناظر فيه، وهكذا فمن يرد التفكير في النص من جديد فهو خارج عن الصواب عند كلتا الطائفتين، وليس له نصيب من القبول عندهما! هذان الفريقان، وإن اختلفا في الموقف، وتباينا في الهدف، فهما عندي وجهان لعملة واحدة، ونهاية المطاف- لو سرنا على طريقة تفكيرهما، وقبلنا دعواهما- هي أن ندع النص الديني، ونذر التأمل فيه، ولستُ أرى أضر على النص من هاتين الطائفتين؛ لأنهما تدعوان صراحة أو ضمنا إلى ترفيفه (وضعه في الرفّ)، وعدم تدنيسه بالنظر فيه، والبحث وراء معانيه ومقاصده، فيصبح النص متعاليا على المتأخرين، غير مُنزل لهم، ولا لهم فيه همة غير تكرير حواشي المتقدمين حوله، وهذه الرؤية هي الأساس الذي بُنيت عليه فكرة تقديس الماضين، وما داموا، مع اختلافهم العظيم!، مُقدّسين في أفهامهم ونظراتهم وحفظهم؛ فليس أمامنا إلا دربان فقط؛ الدرب الأول أن نختار من الموجود، ونسير معه، والثاني أن نترك الموروث كله، ويتبع ذلك ضرورة ترفيف النص الديني؛ إما بحجة أن الأولين استوعبوه، وإما بحجة أنه غير قادر على تقديم الجديد، وشغل العقل الإسلامي مرة أخرى، خارج أسوار الثقافة الماضية، هذه خاتمة لا محيص لنا عنها، ولا ملتحد لنا سواها، وهكذا يدفع النص الديني الإسلامي، كما دفعت نصوص الأديان الأخرى، ضريبة تقديس الماضين، فيترك الناس النظر فيه؛ خوفا من أن يؤدي ذلك إلى مخالفة أسلافهم، وكأن الأسلاف مجمعون على كل شيء!، فيقعون في خطأ أكبر، وزلة أعظم، وهي ترك ما أُمروا به من تفهم وتدبر، لم يكن لهما غاية سوى الحفاظ على الكتاب الكريم أن تُنسب إليه أوهام الناس، وزلات الأجيال، وهذا عندي أحد الأوجه التي تقود إلى تحريف النص، إن لم يكن الوجه الأقوى في ذلك، فالطريق الأكبر إلى تحريف شيء هو منع الناس من التفكير فيه، بأي حجة كانت، وتلك للأسف هي دعوة المذاهب الدينية، وذاك الفريق من المثقفين المحدثين. هذا المثقف الذي يرفض توظيف النص، ويتظاهر بالورع أمامه؛ يؤمن بالتنوع والاختلاف أشد ما يكونان، ويراهما ضرورة في تدافع الحياة؛ فما باله لا يضيف على ضفاف النص قولا، ولا يكتب على هوامشه رأيا، يصبحان جزءا من هذا التنوع، وشكلا من أشكال الاختلاف فيه؟ ما باله يرى النص محورا لجدل، لا نهاية له، ويرى المختص قديما وغير المختص قد خاضا فيه، وربما بنيا مدرسة مستقلة، ومذهبا مختلفا، ثم يتوارى خلف دعوى أن الكتاب الكريم مقدس، والمساس بالمقدس فيه تعجل، وكأن الكتاب لم ينزل له؛ ليفهمه، ويدوّن رأيه مع آلاف الآراء، على جنباته! ما الفرق بين المثقف الذي ينأى بنفسه عن النص، والمذاهب الدينية ورجالها الذين ينهون عن الخروج عمّا قاله المتقدم فيه، ويُحذّرون من القول بغير ما قاله الأسلاف، وكأن الأسلاف كانوا على قلب رجل واحد في كل ما قالوه، فهماً كان أم قاعدة؟ لا فرق عندي بينهما، إذا نظرنا إلى النهايات، ومآل الأمور؛ فدعوتهما تنتهيان بنا إلى وقف دور النص، وإبعاده عن الحياة الفكرية، وهذه هي العلمانية التي تُحاربها المذاهب الدينية، وترى أنها تريد أن تضع النص الديني جانبا، وهكذا فوضعه جانبا حلال لهم، حرام على غيرهم؛ حلال لهم أن يضعوه بعيدا عن العقل، وبعيدا عن نظره فيه من جديد، وتلك هي العلمانية الفكرية، وحرام على غيرهم أن يضعوه بعيدا عن التطبيق والممارسة، وتلك هي العلمانية الواقعية! المذاهب الدينية، وهي التي يهمني شأنها، تدعو إلى علمانية عقلية فكرية، محورها الأساس فصل العقل، وليس الواقع، عن الدين ونصوصه، وبلا كثير تفكير سيظهر لنا أن الدعاة إلى العلمانية الواقعية؛ لن يجدوا شيئا أنفع لهم، ولا أنصر لقضيتهم، من هذه النظرة التي تفصل العقل عن النص، وتُبعده عنه؛ إذ كل ما لا يُفكّر فيه؛ يختفي دوره، وينتهي نشاطه، وتلك هي عاقبة المذاهب الدينية في نصرة الدين ونصوصه؛ لأنها ارتأت أن تنصره بالأسلاف، وما تركوه لها، ولم تجعل للعقل الإسلامي، في كل حقبة، دوراً في هذه النصرة، وإن اختلفت صورها، وتباينت هيآتها. وإذا كنت في سياق الحديث عن متن شؤم المرأة، ومحاولة إيراد ما يُشكك فيه، ويبعث على الريبة من نسبته إلى رسول الله، عليه الصلاة والسلام؛ فإني أرى هذا الموقف من المذاهب الدينية هو العقبة الأولى في هذا الطريق، ولن يستطيع المسلم المعاصر، ولا المسلم اللاحق بعدنا، أن يؤدي أي دور لدينه أولا، ولمجتمعه ثانيا، وللعالم من حوله أخيرا؛ ما لم تُوأدْ هذه العلمانية الفكرية التي أساس نبتها وإنباتها هو تقليد المذاهب الدينية، وانغلاق رجالها، وليس الغرب، ولا الشرق اللذان حمّلناهما، وما زلنا نحملهما، كل بلاء يُصيبنا في ديننا، ويلحق بِنَا في دنيانا.. وإلى لقاء قريب جديد، إن شاء الله، حول متن الشؤم. matroody5@hotmail.com

مشاركة :