بالرغم من التحديات التي تكتنف مسيرة الأندية الأدبية، وخاصة في الآونة الاخيرة، وعدم مساندتها بإصدار اللوائح والتعليمات التي تعمل على تطويرها وتحسين أدائها؛ فهي تُجاهد للبقاء وإثبات وجودها على الساحة الثقافية والأدبية، وليس أدل على ذلك ما قام به نادي جدة الثقافي الأدبي من إقامة (ملتقى قراءة النص التاسع عشر) بعنوان: (الحراك الأدبي والنقدي للصالونات الثقافية في المملكة)، وندوة تكريم الأستاذ عبدالمقصود خوجة - رحمه الله -، وذلك مساء الثلاثاء ٢٣ /٧ /١٤٤٤هـ، وامتدت المحاضرات إلى يومي الأربعاء والخميس ٢٤- ٢٥ /7 /1444هـ من الصباح حتى المساء، واشتملت على كثير من الموضوعات. ولي بعض الوقفات حول الملتقى والتكريم؛ فتكريم الأستاذ/ عبدالمقصود محمد سعيد خوجة؛ خطوة رائدة تستحق الشكر والتقدير لنادي جدة الثقافي الأدبي على هذه اللفتة الكريمة للرجل الأديب والمثقف، الذي احتضن المثقفين والأدباء والعلماء، وكرَّمهم خلال 38 عاماً، ولم يقتصر تكريمه على أسماء محلية وعربية فقط، بل من دول إسلامية وعالمية مثل تكريمه للشيخ «الندوي» من الهند، والشيخ «أحمد ديدات» من جنوب إفريقيا، و»الكسي فاسيليف» من روسيا... وغيرهم كثير؛ إيماناً منه - يرحمه الله - بأن التكريم يناله المُستَحَق، بصرف النظر عن جنسيته، ولونه، وعرقه، وكانت تُقام أعراس التكريم ويحضرها النخب الثقافية والعلمية والأدبية من كل مكان. كما تم توثيق اللقاءات مع الشخصيات المكرمة وطباعتها؛ في سلسلة بلغت مجموعات إصداراتها أكثر من 185 مجلداً، وتُقدَّم للمثقفين مجاناً. ولستُ بصدد سرد سيرته الذاتية الخالدة - يرحمه الله -، فهو أشهر من نار على علم، حيث عضويته في المجالس والهيئات، والأندية الأدبية والاجتماعية والعلمية، ولكن ما يُؤخذ على نادي جدة الأدبي؛ عدم دعوته لبعض الصوالين الثقافية والأدبية، وتجاهله لكثيرٍ من المثقفين والمثقفات؛ حيث اتصلت بي رائدة صالون (رواق بكة)، سعادة الدكتورة هانم ياركندي، وتتعجَّب من عدم دعوتنا للملتقى كعضوات مؤسسات للرواق؛ فالرواق من أقدم الصوالين النسائية في مكة المكرمة وأشهرها، وافتتح عام ١٤٢٤هـ برعاية كريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، ويهدف إلى تأكيد الانتماء الوطني والسمو بالنبـض الاجتماعـي، والتقارب والتعارف بين السيدات في المجتمع، لتأكيد التواصل الفكري المثمر البنَّاء بينهن، والعناية بالتنوير الفكري والثقافي القائم على أصالة المنهج، وسمو الهدف، ونبل الغاية، والمعالجة الواعية للقضايا المستجدة ثقافياً.. وخلال الأعوام الماضية تم مناقشة وتقديم الكثير من القضايا الاجتماعية والثقافية والأدبية مع توثيق اللقاءات.. كما تم الإسهام في تعريف حاجات بيت الله الحرام بتراث هذا البلد في مناحيه المختلفة، مما يُرَسِّخ الموروث التاريخي والحضاري للمملكة.. وتم تكريم الفاعلات من السيدات اللاتي لهن بصمات بارزة في خدمة المجتمع، وتكريم الموهوبات من الناشئة. والرواق يؤدي دوره الثقافي والتنويري حتى الآن، برعاية نادي مكة الثقافي الأدبي. وقد تم وضعه ضمن الصالونات الأدبية في المملكة العربية السعودية في كتاب الدكتور «أحمد الخاني» (ط٢) ١٤٣٣هـ.. وكان بالإمكان دعوة نادي مكة الثقافي الأدبي ولجانه؛ للمشاركة في التكريم والملتقى، بدلاً من تكرار نفس الأسماء والشخصيات والموضوعات من ملتقى العام الماضي كما علَّق أحد المثقفين في صفحته على الإنترنت!!. لماذا لا نخرج من طقوس البحوث الأكاديمية وفتح آفاق جديدة للثقافة؟. يبدو أن الأندية الأدبية - التي تحوَّلت إلى حديقة خلفية لكليات اللغة العربية - تصرُّ على أساليبها التقليدية!! وما نتمناه أن يكون للأندية الأدبية دورها في الثقافة الحديثة وكمصطلح عصري، فالثقافة هي محصلة العلوم والمعارف، والمعتقدات والفنون، والآداب والأخلاق، والتقاليد والموروثات التاريخية والاجتماعية واللغوية. ومن الضروري تحويل الأندية إلى ساحات لتبادل الآراء والأفكار؛ فالمثقف اليوم يمتلك رؤية واسعة، ويؤثر ويتأثر إبداعياً بغيره، ويتكيف أُفقياً في عالم من الثقافات والأفكار، مع المحافظة على ثوابت هويته الأصلية؛ وهو حصيلة متنوعة من النتاج الفكري والعلمي والأدبي.. ومن الضروري أيضاً أن تحقق الأندية الأدبية دورها في تفعيل العلاقة بين المثقفين والمفكرين والأدباء، والاهتمام بالقضايا الاجتماعية المعاصرة، خاصة قضايا الشباب، ومشكلاتهم الراهنة؛ وإيجاد حلول جذرية لها. أتمنى على وزارة الثقافة أن تقوم بالدور الإشرافي التطويري لهذه الأندية، حتى تؤدي دورها المرجو منها في تعزيز الفعل الثقافي في المجتمع.
مشاركة :