لعبة عراقية أم لعبة أميركية - إيرانية؟

  • 2/5/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يرى الخبراء العسكريون الأميركان، أن تحرير مدينة الموصل لن يكون قريباً، كما تفاءل البعض عند الإعلان عن تحرير مدينة الرمادي، التي لا يزال القتال يدور في بعض ضواحيها.. وذلك لأن عملية تحرير الموصل أكثر صعوبة وتعقيداً، فقد تمترس تنظيم داعش بشكل قوي في هذه المدينة، التي يعتبرها عاصمته، حيث سبق أن أعلن دولته المزعومة منها. كما تشكل الصعوبات التي يعاني منها العراق على المستويات العسكرية والاقتصادية والمجتمعية، عوائق إضافية، إلا أنه رغم ذلك، فإن دور هذا التنظيم على الأرض في طريقه إلى الانحسار. في هذا السياق، ليس من المبكر الحديث عن مرحلة ما بعد تنظيم داعش، وما الذي ستتسم به حين تتشكل معالمها من ثقل الأدوار التي لعبتها القوى التي أسهمت في دحره على المستويات المحلية والإقليمية والدولية وسعة امتداداتها السياسية. الحرب على داعش في العراق، تخفي في طياتها مشاريع كثيرة لقوى محلية وإقليمية ودولية، فالبلد كان محط أطماع الكثيرين عبر التاريخ. فعلى المستوى المحلي، هناك الجيش العراقي بكافة صنوفه، وهناك قوات البيشمركة الكردية، وقوات الحشد الشعبي وقوات الحشد العشائري. أما على المستويين الإقليمي والدولي، فرغم وجود تداخلات من أكثر من طرف عبر التحالف الدولي أو بشكل منفصل عنه، إلا أن اللاعبين الرئيسين في الساحة العراقية منذ عام 2003، هما الولايات المتحدة وإيران، اللتين تغيرت طبيعة العلاقات بينهما بعد توقيع اتفاقية فيينا، وإنهاء مخاطر الملف النووي الإيراني إلى حين. فقد أصبح هذان البلدان، من حيث المبدأ، أقل رغبة في تصعيد التوترات بينهما، إلا أن ذلك لا يمنع من حدوثها بسبب الأجندة المتعارضة لكل منهما في ما يتعلق بالشأن العراقي. فالولايات المتحدة ترتبط مع العراق باتفاقية لها شق أمني، يسمح لها بالتفكير في مشروع العودة إلى العراق مجدداً، فإدارة الرئيس أوباما في سنتها الأخيرة في البيت الأبيض، بدأت تجد نفسها مضطرة للأخذ بما رفضته على مدى السنوات المنصرمة من سياسات الرئيس السابق جورج بوش.. والعودة للانشغال عسكرياً ضد الإرهاب الذي بدأ يتغلغل إلى المناطق النفطية، فالتحالف الدولي الذي تقوده على وشك التدخل عسكرياً في ليبيا. إلا أن عودة الولايات المتحدة إلى العراق لها استحقاقات محلية وإقليمية، قد تكون مختلفة عن عام 2003، خاصة بعد تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، وانبثاق بؤر صراع جديدة فيها. أما بالنسبة لإيران، فدورها في العراق لن يكون أقل شأناً مما كان قبل ظهور تنظيم داعش، بل ربما سيتعاظم، خاصة بعد أن أصبحت أكثر قدرة على تنفيذ سياساتها، بعد رفع العقوبات الدولية عنها، وعودة اقتصادها إلى الانتعاش. فدور إيران في العراق جزء من استراتيجية التوسع والهيمنة التي تنتهجها منذ عام 1979 في المنطقة موظفة الهوية المذهبية للتغلغل في مجتمعاتها في ظروف سياسية، تراجعت فيها لدى الكثيرين من أبناء هذه المنطقة هوياتهم الوطنية لصالح الهوية المذهبية. ولكن اللعبة في الحقيقة ليست لعبة أميركية إيرانية، إلا بالقدر الذي سمح العراقيون لها أن تكون كذلك، فمع أن تنظيم داعش يشن حرباً على أهل العراق بعربه وكرده وتركمانه، وعلى مسلميه ومسيحييه وإيزيديه، إلا أن هذه الحرب لم تسهم في وقف التفكك المجتمعي الذي يعاني منه العراق، هذا التفكك هو الذي جعل اللعبة السياسية فيه لعبة أميركية إيرانية، أكثر منها لعبة عراقية. انقضى عام 2015، كما الأعوام التي سبقته مع زيادة مساحة التراجع في الحلم العراقي، حلم المواطن البسيط الذي لا يعدو التمتع بالأمن والحصول على فرصة للعمل الكريم. وفرصة للتعليم والخدمات الأخرى. فقد مر ما يقرب من ثلاث عشرة سنة على سقوط النظام السابق، ومولد العراق بثوب جديد، تفاءل الكثيرون بأنه ثوب ديمقراطي حقيقي، فقد أتيح للمواطن العراقي فرصة حقيقية لأول مرة لاختيار من يراه مؤهلاً لمقاربة حلمه، بقدر من الجدية والمسؤولية، وقد تكرر ذلك ليس مرة واحدة، بل ثلاث مرات. إلا أن هذا المواطن فشل في الاستفادة من هذه الفرص، لأنه ترك نفسه لقيادة من ليس له مؤهلات للعمل السياسي، غير ولائه المذهبي الذي استفادت منه إيران إلى أقصى درجة، حين جعلته جسراً للعبور إلى العراق والهيمنة على مقدراته. طبيعة الحكم في العراق ما بعد داعش، لن تكون أفضل مما هي عليه اليوم، فالعراق قد فشل في استغلال فرصة الحرب على هذا التنظيم لتوحيد صفوفه والتصالح مع نفسه، فالأحزاب التي تلتحف بالدين كواجهة سياسية، والتي أحدثت الشروخ المجتمعية، لا تزال مسيطرة على الوضع إلى حد كبير. وقد تبدد التفاؤل بالإصلاحات التي تصدرت أجندة الدكتور حيدر العبادي لرئاسة الوزراء، بعد أن فضل تغليب التزامه وولائه لحزبه على دوافعه لفتح ملفات الخراب التي أحدثها هذا الحزب على مدى العشر سنوات المنصرمة من حكمه في العراق. وهكذا بقيت الأوضاع تراوح في مكانها، وأصبح الإصلاح مجرد حلم، بعد أن عادت الأحاديث عن مشاريع تشكيل الأقاليم على أسس فيدرالية إلى الواجهة في ظروف التفكك الذي يشهده العراق. فالأمر أولاً وآخراً، متروك للعراقيين أنفسهم، إذ ليس أمامهم غير خيارين، التمسك بالوطن الموحد ومواجهة استحقاقات ذلك بوعي وإيجابية، في ظل دولة مدنية ديمقراطية، أو التقسيم إلى فيدراليات على أسس عرقية ومذهبية، وتحمل تبعات ذلك واستحقاقاته.

مشاركة :