سجلت أسعار السلع الأولية خلال الفترة الماضية قفزة جديدة في مؤشراتها السوقية. تستطيع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حتى بعض دول العالم الأخرى، استخلاص دروس من الماضي. فقد تؤثر القفزة الحالية في أسعار السلع الأولية تأثيرا متباينا في الدول المصدرة والمستوردة للسلع الأولية في المنطقة. فالدول المصدرة تستفيد من التحسن الملحوظ في معدلات تبادلها التجاري، بينما تشعر الدول المستوردة بوطأة ارتفاع أسعار استيراد الوقود والغذاء. ومن الأسئلة الأساسية في هذا الصدد، كيف تدير الدول هذه القفزة مقارنة بالتجربة السابقة، ولا سيما مع وقوع صدمة أسعار السلع الأولية الحالية في سياق عالمي وإقليمي مختلف عن المرات السابقة. وفي أحدث إصداراتنا من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي، نبحث كيفية تصدي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لارتفاع أسعار السلع الأولية، وكيفية حمايتها للفئات الضعيفة. وتنطوي هذه المهمة على صعوبة أكبر بكثير بالنسبة إلى الدول المستوردة للسلع الأولية التي لا تملك إلا حيزا ماليا محدودا. وعلى العكس من ذلك، يتمثل التحدي الراهن بالنسبة إلى الدول المصدرة للسلع الأولية في استثمار الفائض الذي حققه ارتفاع أسعار الطاقة لبناء هوامش أمان تواجه بها الصدمات المستقبلية وتحقق تقدما في خططها الانتقالية والمعنية بتنويع النشاط الاقتصادي. ونلقي نظرة أقرب على كيفية تصدي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لقفزات أسعار السلع الأولية في الماضي، وإجراءات السياسة التي تتخذها هذه المرة، وما ينبغي القيام به بعدها. وبشأن الاستجابات السابقة تبين أنها عالية التكلفة فعندما حدثت قفزات في أسعار السلع الأولية في الماضي، كان رد فعل اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هو زيادة الإنفاق الحكومي التي استمرت لأعوام في أغلب الأحوال، ما جعلها أكثر مديونية وأقل صلابة مما تقتضيه مواجهة صدمات المستقبل. وبالمثل، قامت الدول المصدرة للنفط بزيادات في الإنفاق إبان ارتفاع أسعار النفط واضطرت بعدها إلى إجراء تعديلات مفاجئة في ميزانياتها حين هبطت الأسعار في نهاية المطاف. ونظرا إلى شبكات الأمان الاجتماعي الضعيفة نسبيا، اعتمد صناع السياسات في العادة على دعم الأسعار وتخفيضات الضرائب وزيادات أجور القطاع العام لتعويض خسائر الدخل الحقيقي. وقد كانت هذه السياسات ضعيفة الاستهداف، فلم توفر الحماية للأكثر احتياجا إليها. فعلى سبيل المثال، خلصت دراسات سابقة أجراها الصندوق إلى أن شريحة السكان التي يمثل دخلها أقل من 40 في المائة من الدخول في مصر والأردن ولبنان وموريتانيا والمغرب واليمن، تحصل على أقل من 20 في المائة من الأموال التي تصرف على دعم الديزل والبنزين. وقد كان التراجع عن هذه السياسات أمرا صعبا أيضا ـ ما يعني أن الميزانيات الحكومية أصبحت أكثر جمودا، وأصبحت الحكومات محصورة في حلقة مفرغة من الاعتماد على التدخلات المالية المكلفة. ووسط صدمة أسعار السلع الأولية الحالية، لجأت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجددا لإجراءات السياسة التي سبقت الاستعانة بها، ولا سيما في دعم الأسعار وتخفيضات الضرائب، لحماية اقتصاداتها من ارتفاع أسعار السلع الأولية. لكن الاستجابة كانت أضيق نطاقا هذه المرة.. يتبع.
مشاركة :