على الرغم من أن طفرة أسعار السلع الأولية الحالية تشبه عموما فترات الارتفاع السابقة في 2008 و2011 و2022، فمن المتوقع أن تكون زيادة الدعم أقل مما حدث في الفترات السابقة -نحو 50 في المائة مما كانت عليه في ذروتها أثناء فترات الارتفاع السابقة بالنسبة إلى الدول المصدرة للنفط واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل في المنطقة. ويعكس هذا محدودية الحيز المالي في تلك المجموعة الأخيرة من الاقتصادات، والتحسن في توجيه الدعم للمستحقين في بعض الدول، والتقدم في إصلاح الدعم. فعلى سبيل المثال، سمحت الأردن وموريتانيا والمغرب وباكستان وتونس والإمارات ودول أخرى بزيادة أسعار البنزين المحلية. ومن المهم أيضا أن معظم الدول المصدرة للنفط ادخرت أرباح نفطها حتى الآن، خاصة أن المؤشرات الاقتصادية تعد إيجابية بطريقة مستمرة وفي حالة نمو مستقر. وحول فرصة لاستخلاص الدروس من الماضي، فإنه يخيم على الآفاق قدر كبير من عدم اليقين. وتتضمن المخاطر الراهنة في احتمال بقاء أسعار السلع الأولية على ارتفاعها فترة أطول، وتشديد أوضاع التمويل وتقلبها، وتباطؤ الطلب الخارجي بدرجة أكثر حدة من المتوقع. وإذا لم يتم التعامل بالشكل الملائم مع الصدمات السعرية، فقد تتسبب في تهديد الاستقرار الاجتماعي. وفي الوقت ذاته، قد تواجه بعض الدول ضغوطا لإنفاق الفائض من إيراداتها، ولا سيما في المجالات التي يصعب فيها التراجع، مثل التوظيف وزيادات الأجور في القطاع العام. وتؤكد تجربة الماضي أهمية الاستجابة بصورة مختلفة هذه المرة لتوفير الحماية بأعلى درجات الفاعلية للفئات الضعيفة، مع ضمان بقاء الدين في حدود مستدامة وتجنب ظهور مواطن جمود جديدة في الميزانية، نظرا إلى تحديات التراجع عنها. ومن ثم، فسيكون من المهم كسر الحلقة غير المستدامة للاعتماد على زيادة الإنفاق الحكومي غير الموجه، والقيام بدلا من ذلك باختيار تدابير تركز على الأشد احتياجا لتخفيف أثر تآكل الدخول الحقيقية. وفي الوقت ذاته، فإن سن إصلاحات من شأنه تحسين الصلابة في مواجهة صدمات أسعار السلع الأولية في المستقبل. وتشمل هذه الإصلاحات الإلغاء التدريجي لدعم الطاقة التنازلي مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، ما يعزز العدالة ويوجد حيزا ماليا للإنفاق الرأسمالي الداعم للنمو، والتحول نحو استخدام الطاقة على نحو أكثر خضرة وكفاءة لتخفيض الاعتماد على استيراد الطاقة والتعرض لتقلبات أسعار النفط، وتدعيم تعبئة الإيرادات عن طريق الإصلاحات الاقتصادية المتنوعة والمختلفة من أجل زيادة الحيز المالي المتاح للدول المستوردة للنفط وتنويع الإيرادات. أخيرا، ينبغي أن تواصل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعزيز الحوكمة وإدارة المالية العامة عن طريق تحسين الشفافية والمساءلة، والتحرك نحو أطر مالية متوسطة الأجل، واعتماد قواعد مالية. ومن شأن هذه الإجراءات أن تحول دون التوسع المالي المكلف وغير الموجه الذي اتسمت به الاستجابات السابقة، مع صنع الحيز المالي اللازم لتعزيز الإنفاق الاجتماعي.
مشاركة :