«أيام الشارقة التراثية»: الإبداع والابتكار سمة الإماراتي

  • 3/9/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أكدت جلسة ثقافية عقدها المقهى الثقافي في أيام الشارقة التراثية أن الإبداع والابتكار لدى أهل الإمارات ليس وليد اللحظة ولا ظاهرة جديدة، بل تمتد جذورهما إلى عهود قديمة، وأن هذه التجربة الإبداعية تواصلت مع قيام دولة الاتحاد من خلال عمل مؤسسي ومجتمعي مستدام. جاءت الجلسة تحت عنوان «الإبداع واستدامة التراث»، شارك فيها كل من الباحث والمستشار الاقتصادي الدكتور نجيب الشامسي، والإعلامي والباحث في التراث والثقافة الشعبية الإماراتية عبدالله عبدالرحمن، والشاعرة شيخة المطيري، وأدارها محمد حمدان من معهد الشارقة للتراث. وأكد الدكتور نجيب الشامسي على أهمية الإبداع كعنصر رئيسي وموضوع محوري يرتبط بصميم مفهوم التراث وممارساته وتجلياته المختلفة، وأوضح أن الإبداع والابتكار يمثلان الأرضية التي تستند إليها خطط ومعالم تطوير التراث بجانبيه المادي وغير المادي. وأشار إلى ظهور وانتشار الكثير من الصناعات الإبداعية المرتبطة بالفعل البشري ونقل الأفكار إلى ممارسات عملية، كالحرف التقليدية التي اشتهرت بها دولة الإمارات، فضلاً عن تحويل الأفكار والموروث الشعبي إلى منتجات ثقافية مبدعة مثل الكتب والأشعار والروايات. ولفت إلى وجود الكثير من السمات المشتركة ذات العلاقة بالتراث الشعبي بين الدول العربية والعالم، مشيراً إلى أن الكثير من الألعاب الشعبية التي مارسها الأجداد والآباء ويمارسها الجيل الحالي، لها تشابه كبير من حيث السمات والمعالم والأساليب مع مثيلاتها في بقاع عديدة في العالم كشعوب الإسكيمو وأميركا اللاتينية، ما يدل على أن الإنسان في المجتمع الإماراتي يتميز بعقليتيه الابتكارية والإبداعية، وتثريها حاجاته اليومية. وذكر أن جذور نهضة الإمارات وتطورها ضاربة في القدم ولا ترتبط بظهور النفط، وإنما ارتبطت بالإنسان ونشاطه وحراكه الثري واستجابته لمتطلبات العيش في البيئات المحلية المختلفة كل بحسب عناصره وخصوصيته، وتتمثل هذه البيئات بحسب رأي الشامسي في خمس بيئات، هي البيئة الجبلية وبيئة السهول والبيئة الصحراوية أو البدوية والبيئة الزراعية أو الريفية، وأخيراً البيئة الساحلية أو البحرية. ونوّه الشامسي إلى ضرورة وضع وتنظيم الأطر العامة للعلاقة الوثيقة بين الإبداع والتراث، وتكثيف الجهود لتحقيق الاستدامة الشاملة في التنمية بكل عناصرها ومقوماتها وأنواعها وعلى رأسها التنمية الثقافية، وتقديم منتجات محلية مبدعة تنقل صورة الإماراتي للخارج وتؤثر عليه بالإيجاب، وترسخ مفاهيم وقيم الاعتزاز بعاداتنا وقيمنا الأصيلة. ولفت إلى أن الانفتاح على الآخرين لا يعني بالضرورة التخلي عن القيم والمبادئ الثقافية، ضارباً المثل بالنهضة الاقتصادية والتجارية التي تشهدها الصين، وأصبحت دولة ذات تأثير واسع في العالم، من دون أن تفرط بثقافتها وموروثها الشعبي. وجاءت ورقة عبدالله عبدالرحمن تحت عنوان «نحو ميراث مستدام»، وبالتزامن مع عام الاستدامة الذي رفعته قيادتنا الرشيدة شعاراً ناظماً لمبادرات الدولة وإماراتها المختلفة في 2023، ومن ضمنها أيام الشارقة التراثية، في سعي منها نحو خدمة الأرض والإنسان كغاية من غايات الوجود الإنساني. وطرح المحاضر خلال حديثه عدداً من التساؤلات المهمة حول تحديد مفهوم الاستدامة في التراث الإماراتي، وكيفية المحافظة عليه حيويته وديمومته على الرغم من تعاقب الأجيال وتبدل الوسائل والغايات والأحوال، داعياً إلى ضرورة تجريد التراث من المظاهر والظواهر والصور النمطية والأنماط المعهودة المرتبطة بالزمان والظرفيات الأخرى، في سبيل الوصول إلى البناء المعرفي المنشود من هذا التراث. واستعرض عبدالله عبدالرحمن جانباً من معاناة الإنسان قديماً على أرض الإمارات وباقي مناطق الخليج العربي إزاء قسوة عوامل البيئة والمناخ وشح الموارد الطبيعية والاقتصادية، واضطرارهم للخوض في غمار البحر بحثاً عن كنوزه وخيراته، وبما يسد حاجاتهم المعيشية، فضلاً عن سعيهم لاكتساب المعرفة الحية الشغوفة بتفاصيل الأماكن وسكانها من الكائنات الأخرى. وذكر المحاضِر أن التراث الحقيقي ينبع من البناء المعرفي الذي ينطلق من قيمنا السامية وفطرنا السليمة التي تربط الإنسان بالمكان وتثري العلاقة بينهما، موضحاً أن استدامة هذا البناء المعرفي التراكمي الموروث عبر الأجيال تتحقق بالإبداع المتجدد بتجدد الوسائل وتنوعها، وبالاستلهام من المعاني والحكم الموروثة على مدى الأزمان، ونقلها إلى نفس إبداعي طموح ومدعوم بجهد مؤسسي ووطني، وإظهارها عبر أعمال أدبية وفنية وبحثية وحرفية تحفظ الموروث وتواكب الحاضر وتستشرف المستقبل. وركزت ورقة الشاعرة شيخة المطيري على التجربة الإبداعية لمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في ترميم المخطوطات القديمة والمحافظة عليها وإتاحتها للمهتمين والباحثين، حيث أوضحت أن المركز يضم حالياً أكثر من 800 ألف مخطوطة، منها 23 ألف مخطوطة أصلية، وتطرقت إلى جهود المركز في تحليل المخطوطات والوقوف على حالتها والتأكد من مصدرها. وذكرت أن الحضارات السابقة أطرت العلم من خلال المادة المكتوبة بواسطة الأيادي البشرية التي أولتها العناية والاهتمام، وأن التاريخ يضم إشارات إلى وجود محاولات وتجارب ترميم بدائية للكتابات المخطوطة منذ القدم، مما ساعد في وصول وحفظ بعض أصول هذه المخطوطات. وعددت المحاضِرة جانباً من جهود المركز في استدامة هذا الإرث الورقي، من خلال البحث في النباتات الموجودة في الإمارات ومحاولة استخراج الألياف الطبيعية منها وصبغها بألوان طبيعية تتوافق مع ألوان ورق المخطوط، وصولاً لإنتاج عجينة تساعد في ترميم المخطوط، بالإضافة إلى استخدام المركز لطرق وموارد جديدة لحماية المخطوطات من القوارض والحشرات الصغيرة وظروف الرطوبة وتأثيرات الحرارة ونحوها. وبادر المركز إلى استخدام سعف النخيل في صناعة الورق، وحصوله على براءة اختراع مسجلة، فضلاً عن استخدام جهاز حراري جديد مخصص لتعقيم ورق المخطوط، وجهاز أو حاوية غسل الصحون واستخدامها بطريقة فنية مصممة للتعامل مع ورق المخطوطات، وجهاز البث الحراري الطارد للحشرات ذات الأحجام المتناهية الصغر. ولفتت إلى أن المركز أنتج 5 أجهزة في مجالات الترميم والتعقيم وجهازين في مجالات رقمنة المخطوطات، مختتمة ورقتها بالحديث عن الورش والدورات التدريبية التي يقدمها المركز للمهتمين في هذا الجانب.

مشاركة :