كان أعمق شعورٍ واكتفاء.. كان أجمل تضحية في السابقِ ووفاء كانت هذهِ جل معانيه، ولكن الآن مصطلح الحب في مجتمعي كأنهُ مصطلح جُرمٍ. وما أفسد مفهوم الحُب في مجتمعنا إلا (بعض) المراهقين بعلاقاتهم العابرة، تساهلوا شيئا فشيئا حتى دمروا كيان الحب بعلاقاتهم المحرمة وعباراتهم المزيفة، محاكين فيها الدراما التركية. أي حُبٌ هذا الذي يجعله يخسر جنة عرضها كعرض السماء والأرض! وأي قلبٌ هذا، لا يحمل الغيرة على محارم الله وينجرف خلف شهوته! مُنذُ متى أصبح الحب باقيا من نظرة محــرّمــة؟ أو صورة محــرمــة؟ أو كلمة محــرمــة؟ شاهدها أو سمعها، فـتسللت سِهام الشيطان إلى قلبه، متناسيا أن العين تزني وزناها النظر، وأن الأذن تزني وزناها السمع. أوليس هذا مدعاة للشك وانعدام الثقة وركاكة العلاقة؟! أنا لا أنكر أن القلب يتعلق أحيانا ويُحب، ولكن أبقى الحب وأسماهُ ما كان لله وفي الله. لا تختار لنفسك الهوان وأرذل الحُب. ما يمنعُك إن أحببت أن تطرق البيوت من أبوابها، مطبقا لأمر الله عز وجل في قوله «وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها» (البقرة: 189)، متمسكا بـرأي الحبيب صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت للمتحابين مثل النكاح». الحب باقٍ ما كان لله، الحب طاهر ما دام المُحب يخاف في محبوبه الله، الحب صادق ما دام المُحب يتمنى أن يُحشر مع محبوبه ويدعو الله. أوليس من باب أولى أن يخاف المُحب على محبوبه من الذنوب وغضب الله؟ كم جسّد لنا الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته أجمل وأعمق معاني الحب! فقد أعلن عن حُبه لخديجة -رضي الله عنها- في قوله صلى الله عليه وسلم: «إني رزقت حُبها» (رواه مسلم)، وقوله عن عائشة -رضي الله عنها: «لا تؤذوني في عائشة». وهنا، تأكيد بأن ما يؤذي المحبوب يؤذي المُحب. وهذا أنس -رضي الله عنه- يروي موقفا للرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجته صفية، يقول: خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر، فرأيت النبي يُحَوّي لها أي: لصفية وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب. (رواه البخاري). حتى وهو قادمٌ من الغزوة الحب كان حاضرا.. وكان صلوات ربي عليه يجاهر بأسماء زوجاته أمام الملأ، فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة». فقلت من الرجال؟ قال: «أبوها». (رواه البخاري) رحم الله حالنا، فقد أصبح في زمننا يُستعاب (بعض) الرجال من ذكر اسم الأم فإن كان اسم الأم يُستعاب فكيف باسم الزوجة فقد كانت معاملته صلى الله عليه وسلم لزوجاته بالعدل والإحسان وعميق الاحترام والود. كان يشرب ويأكل من موضع واحد مع زوجاته وكان يساعدهن في أعباء المنزل ويمتدحهن، وينظر إلى محاسنهن وكان لا ينشر خصوصياتهن وكان يعرف مشاعرهن ولا يضربهن، ويواسيهن عند البكاء، ويرفع اللقمة إلى أفواههن، ويتفقدهن في كل حين، كما كان يشاركهن المناسبات ولا يستخدم الألفاظ الجارحة ولا يستنقصهن أثناء المشكلة، كما كان يستشيرهن في بعض الأمور. وبعد كل هذا، أيُقتدى بالدراما التركية في علاقاتنا؟ حُق لنا أن نراجع قدواتنا، فلنا في حياة وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى يُقتدى به. وهذا التاريخ يُخلد لنا أعظم دروس الحب وأصدقها بين الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان ربي عليهم، فعندما غاب النبي صلى الله عليه وسلم طوال اليوم عن سيدنا ثوبان خادمه، وحينما جاء قال له ثوبان: أوحشتني يا رسول الله وبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أهذا يبكيك؟»، قال ثوبان: لا يا رسول الله، ولكن تذكرت مكانك في الجنة ومكاني فذكرت الوحشة، فنزل قول الله تعالى: «وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَاء وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقا» (سورة النساء: 69). وهذا علي -رضي الله عنه- ينام بدلا من الرسول صلى الله عليه وسلم في فراشه وهو يعلم أن القوم اجتمعوا لقتله وأنه قد يموت على الفراش نفسه. وهذا بلال حين يعتزل الأذان بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أذن بطلب من عمر عند فتح بيت المقدس لم يُرَ يوما كان أكثر بكاء منه عندما قال أشهد أن محمدا رسول الله. حُق له أن يبكي بلال، وحُق لنا أن نبكي لما نحنُ عَلَيْهِ من حال! مَا عَالَجَ النّاسُ مِثْلَ الحُبّ مِنْ سَقَمٍ ولا برى مثلهُ عظما ولا جسدا الأحوص رابط الخبر بصحيفة الوئام: «ما أفسد الحُب إلا»
مشاركة :