كوميض البرق وغفلة النعسان تعاودنا ذكرى رحيل الرمز الوطني عبدالله النيباري، صاحب القلب الكبير والأخلاق الرفيعة والابتسامة الدائمة، خالط الراحل الطبقات والطوائف الاجتماعية بلا تمييز، وفير الأصدقاء، يلبي دعوات القوى السياسية محلياً وخارجياً للمشاركة في فعالياتها المتنوعة، بالرغم من كثرة مشاغله والتزاماته بعضوية مجلس الأمة الذي مثّل فيه الشعب لخمسة فصول تشريعية، بالإضافة لكونه الأمين العام للمنبر الديمقراطي الكويتي الذي هو أحد مؤسسيه بعد تحرير الكويت، علاوةً على ترؤسه لتحرير جريدة «الطليعة»، الصوت الوحيد للتيار الوطني المعارض. لقد مَثّلَ لنا الراحل النيباري نموذجاً فريداً للمناضل المثقف، فقد تميز بثقافة سياسية ودستورية واسعة، مع تملكه خبرة اقتصادية مهنية ثرية في المجال الاقتصادي كونه خبيراً ومستشاراً نفطياً دولياً وعضواً في العديد من الجمعيات الدولية للنفط والطاقة. لم يقتصر النشاط السياسي للراحل على الشأن المحلي، فكان شغوفاً بمتابعة الأحداث الدولية والقضايا العالمية، مطلعاً ومتابعاً للتقارير السياسية والنشرات الاقتصادية والصراعات في شتى الأرجاء. ألمّ الراحل النيباري بأدق تفاصيل التاريخ السياسي الكويتي، وترك لنا إرثاً دسماً في مجالات شتى بثها في افتتاحياته ومقالاته على صفحات جريدة «الطليعة» ولعشرات السنين، دافع فيها النيباري عن الحقوق السياسية للمواطن وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية ومبادئ العدالة والمساواة أمام القانون. يعتبر الراحل النيباري أحد حصون الدستور وملاذه، نداً للتفرد بالسلطة ومركزية القرار، محذراً من أن يكون قانون الانتخاب مدخلاً لطرح عضوية مجلس الأمة في بورصة الأصوات الانتخابية والفوز لمن يدفع أكثر، يدعو لإقرار قانون هيئة الانتخابات وتعديل قانون الانتخاب البرلماني على أساس الدائرة الواحدة والتصويت للقوائم (النظام النسبي)، ومن الداعين لاستكمال شروط نجاح النظام الانتخابي بإقرار قانون التنظيمات السياسية «الأحزاب»، والدعوة لبرلمان توافقي يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب. إن المسيرة النضالية للراحل النيباري لا يمكن تجاوزها دون الانعطاف على أعظم إنجازاته ونجاحاته ودوره المؤثر والفاعل برفقة زملائه من النواب الوطنيين عندما تصدوا عام 1975م للشركات النفطية الأجنبية، فكان هو أحد النواب الخمسة الموقعين على طلب تأميم الشركات النفطية الأجنبية العاملة في الكويت، وبفضله تم تأميم ثروتنا النفطية بالكامل. إن التاريخ ليشهد على الدور الوطني في تصدي النيباري لمحاولات تعطيل الدستور ومشاركاته في دواوين الاثنين المطالبة بعودة تطبيق الدستور، هذا قبل الغزو الغاشم، أما بعد التحرير فقد كاد أن يقدم حياته وحياة زوجته- لولا فضل الله- ثمناً لمواقفه الثابتة والشرسة ضد الفاسدين من سراق المال العام بمحاولة اغتياله عام 1997م وإصابته بإعاقة دائمة بيده، ومع ذلك لم يفتّ الاعتداء في عضد المناضل النيباري، بل زاده إصراراً على مواجهة منظمة الفساد مهما كانت التضحيات من جانبه. بفقد المناضل عبدالله النيباري كانت خسارتنا جسيمة، والتمنيات أن نعوضه بأجيال تخطو بخطاه، تلتزم منهجه وتتبنى أفكاره وتنجز أحلاماً راودته بوطن آمن سعيد كما كان يأمل دائماً. * أمين عام المنبر الديموقراطي الكويتي.
مشاركة :