ماجد كيالي يكتب: فيما يخص الاحتلال الإسرائيلي المريح والمربح أيضاً..!

  • 3/25/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتضح اليوم، من مواقف حكومة إسرائيل بقيادة نتنياهو وسموريتش وبن غافير، أن إسرائيل طوال العقود الثلاثة الماضية، أي منذ توقيع اتفاق أوسلو (1993) لن توصل الفلسطينيين إلى دولة مستقلة لهم في الضفة والقطاع، وإنها فعلت عكس ذلك، طوال ثلاثين عاما، بترسيخ وجودها وهيمنتها على الفلسطينيين وأراضيهم ومواردهم وحركتهم، وبتعزيزها الاستيطان في كل شبر من النهر إلى البحر. ثمة ثلاثة عوامل خارجية عززت ذلك، أولها، أن إسرائيل ترى أنها غير ملزمة بتقديم «تنازلات» للفلسطينيين، فهي في حالة قوة، ومتفوقة عسكريا واقتصاديا على محيطها، وثمة دعم لا محدود لها من الغرب، رغم كل الانتقادات النظرية، ثم أن الوضع العربي مشتت، ومشغول بصراعاته الداخلية، وبالتحديات الخارجية التي يواجهها، ثم ليس ثمة ما يضغط عليها في هذا الشأن. وثانيها، أن الفلسطينيين ليسوا في حال جيدة، فهم منقسمون، وليس ثمة في أوضاعهم ما يرشّح التحوّل نحو مقاومة إسرائيل وسياساتها، بشكل مستدام ومجدٍ ومؤثر. وثالثها، أن الولايات المتحدة مشغولة في الحرب في أوكرانيا، وفي مواجهة تحدي صعود الصين ما يصرفها عن الضغط الفاعل على إسرائيل، باستثناء التوبيخ والتعبير عن القلق. ثمة عدة عوامل داخلية، أيضاً، أولها، يتعلّق بتغيّر الوضع على الأرض في الضفة لناحية استشراء الأنشطة الاستيطانية وتزايد نفوذ المستوطنين، وصعود المتطرفين القوميين والمتدينين إلى سدة السلطة بالتحالف مع نتنياهو. وثانيها، يتعلّق بالتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية الحاصلة في إسرائيل ذاتها تبعاً لازدياد نفوذ القوى اليمينية المتعصبة، “القومية” والدينية فيها، الأمر الذي يجعلها في هذه المرحلة أكثر يمينية وعنصرية ودينية واستعمارية من ذي قبل. أما ثالثها، فيتمثل بتنامي شعور لدى الإسرائيليين بأنهم يعيشون في نمط من الاحتلال المريح، بل والمربح، فليس ثمة ثمن كبير لوجودهم الاستعماري والاستيطاني في الأراضي المحتلة، سيما بعد التخفف من الاحتكاك بينهم وبين الفلسطينيين، بنتيجة بناء الجدار الفاصل والأطواق الأمنية والطرق الالتفافية، ومع وجود السلطة واتفاقيات التنسيق الأمني. وفوق ذلك فإن الوجود الإسرائيلي في الضفة بات وكأنه بمثابة استثمار مربح، مع استغلال الأراضي والمياه ومع اعتبار الضفة بمثابة سوق للسلع الإسرائيلية الاستهلاكية والخدمية؛ تقدّر ببضعة مليارات من الدولارات. مع كل ذلك ثمة في إسرائيل من يدعو إلى الحذر من الاتكاء على هذا الوضع المخادع، لأنه بمثابة وضع مؤقّت ربما ينفجر في أية لحظة. رابعها، ثمة وجهات نظر متطرّفة ترى أن إسرائيل ليست هي سبب الاضطراب في الشرق الأوسط، وأن العطب في الواقع العربي هو نتاج الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتردي فيه، وهو ما تؤكده أوساط غربية أيضا. ووجهة النظر هذه ترى في الانسحاب من الأراضي المحتلة إضرارا بمكانة إسرائيل، وبصورتها كدولة رادعة، كما أن من شأنه أن يوهن الاجماعات الداخلية فيها. مع ذلك يلفت الانتباه إلى أنه في إطار وجهة النظر اليمينية والقومية المتطرفة هذه ثمة من يطرح إمكان البقاء في الضفة الغربية مع هضم الفلسطينيين فيها، عبر منحهم المواطنة الإسرائيلية في إطار دولة ديمقراطية «ثنائية القومية»، لكن على أساس سيادة طابعها كدولة يهودية، ما يوصم هذه الدعوات بصبغة العنصرية. أيضا، فقد شهدت إسرائيل بروز وجهات نظر جديدة تطالب بقيام إسرائيل بخطوات أحادية إزاء الفلسطينيين، أي بمعزل عن المفاوضات وعن عملية التسوية، على أساس أن هاتين المسألتين استهلكتا، وأن الزمن والوقائع والتطورات، ومواقف الطرفين، استنزفتهما، وأن المطلوب إيجاد خطوات تتخصص على تقليص الصراع، أو تفكيك الصراع وتجزئته، أو التركيز على الحل الاقتصادي، وأن المطلوب إدارة الصراع، لا إيجاد حل نهائي له، وهو وجهة النظر السائدة، منذ انهيار مفاوضات الحل النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين، في مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000) التي جرت برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق، بل كلينتون، ومع هيمنة بنيامين نتنياهو على الحكم في إسرائيل منذ العام 2009، حتى الآن. وبين هذا وذاك ثمة وجهات نظر، يطرحها أمثال سمورتريش أو بن غافير، كممثلين للتيارات الدينية المتطرفة، بأنه لا وجود للشعب الفلسطيني، وأن أرض فلسطين من النهر إلى البحر هي ملك لإسرائيل، وأنه يحق لها الاستيطان فيها، مع إمكان ترحيل الفلسطينيين. كل ما تقدم يعني أن القيادة الفلسطينية تتحمل بعضاً من مسؤولية عن تردي حال الفلسطينيين وحركتهم الوطنية، وعن مسؤوليتها توقيع اتفاق أوسلو من دون اشتراط تفكيك الاستيطان، وتحديد الهدف النهائي، ومن دون تعيين حدود إسرائيل، وحتى من دون طلب الإفراج عن المعتقلين، إذ لا يوجد في الاتفاق ما ينص على أي من ذلك، وما هو موجود هو فقط تأجيل البت في القضايا الأساسية (القدس، اللاجئون، الحدود، المستوطنات، الترتيبات الأمنية) إلى ما سمي في حينه بمفاوضات الحل النهائي، مع اقتران ذلك بتوافق الطرفين، ما يعني أن إسرائيل كقوة مسيطرة هي التي تقرر ما تريد، وهكذا وصلنا إلى هنا، مع نتنياهو وسموريتريش وبن غافير.

مشاركة :