بين ماكرون والنقابات معركة تذهب أبعد من ليّ الأذرع

  • 4/5/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

باريس - وصلت المفاوضات بين اتحاد النقابات الفرنسية والحكومة حول قانون التقاعد الجديد إلى طريق مسدود، أمام تمسك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمضيّ في تنفيذ القانون الذي تعارضه غالبية الفرنسيين، مؤكدا أنه ضروي حتى لا تفلس فرنسا. ويركز ماكرون في دفاعه عن القانون الذي يرفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 عامًا على تدهور الصناديق التقاعدية وارتفاع عدد المسنّين في فرنسا التي تُعدّ إحدى الدول الأوروبية حيث أدنى سنّ تقاعدية، بينما أكد أوليفييه دوسوبت وزير العمل أن الحكومة لا تنكر حالة التوتر بالبلاد لكنها تريد المضي قدما في التغييرات. وقال الرئيس الفرنسي إن القانون سيدخل حيز التنفيذ بنهاية العام رغم اتساع نطاق المظاهرات وتجنّد النقابات لدفع الحكومة إلى التراجع عن التعديل، مؤكدا أنه "لن يرضح للعنف". وتعيش فرنسا على وقع احتجاجات بدأت سلمية لكنها انقلبت عنيفة، إذ خرج الملايين في مظاهرات غاضبة وقطع محتجون الطرقات، فيما تراكمت أكداس القمامة في عدد من المحافظات الفرنسية بعد إضراب جامعي النفايات وأُصيب خلال المظاهرات عناصر في الشرطة والدرك ومتظاهرون وأحرقت مبان عامة. ولم تفض جلسة تفاوضية جمعت اليوم الأربعاء رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن مع رؤساء النقابات العمالية حول ملف تعديل نظام التقاعد إلى أي اتفاق ووصفت النقابات اللقاء بـ"الفاشل"، فيما يأتي اللقاء قبل يوم واحد من مظاهرات جديدة دعت لها التجمعات العمالية ضد التعديل. وكان النقابيون قد حذّروا من أنهم سيغادرون الاجتماع في حال رفضت بورن الحديث عن رفع سن التقاعد وهو أبرز إجراء في هذا الإصلاح الذي أثار الغضب لعدة أسابيع في فرنسا والذي سيكون عنوان اليوم الحادي عشر للحراك المقرّر الخميس. وكانت رئيسة الحكومة قد وعدت بـ"الاستماع إلى جميع المواضيع"، على الرغم من "نقاط الخلاف"، معربة عن أملها بمعالجة إصلاحات أخرى مقبلة ولا سيما تلك المتعلقة بالمشقة في العمل، غير أنّ الاتحاد النقابي ردّ الأربعاء بالقول "نرفض طي الصفحة وفتح حلقات تشاور أخرى، كما تقترح الحكومة". بعد الاجتماع، وافقت بورن على أنّ "الخلافات حول (رفع) السن" لم تجعل من الممكن إجراء النقاش "بعمق" مع النقابات، لكنّها مع ذلك رحّبت بـ"خطوة مهمّة" والتزمت عدم "المضي قدماً بدون الشركاء الاجتماعيين" في مشاريع أخرى مقبلة. ورفضت الحكومة الفرنسية الأسبوع الماضي مطلبا نقابيا لإعادة النظر في مشروع القانون، مشيرة إلى أنها مستعدة تماما للتحدث إلى النقابات ولكن بشأن مسائل أخرى، مشددة على تمسكها بموقفها من قانون التقاعد. واعترف ماكرون في تصريح بعجزه عن "إقناع الشعب بضرورة هذا الإصلاح"، لافتا إلى أن القانون الجديد "ليس متعة ولا ترفًا بل ضرورة". وأكد "أنا لا أسعى إلى إعادة انتخابي، لكن بين استطلاعات الرأي القصيرة المدى حول شعبيتي والمصلحة العامة للبلد، أختار المصلحة العامة للبلد". مضيفا "إذا كان عليّ تحمّل عدم الشعبية، فسأتحملها". وسعت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن إلى التشاور مع عدد من النواب والأحزاب السياسية ومسؤولين، لكن النقابات أكدت عدم استعدادها للتراجع محذرة في الآن ذاته من أن تسلك المظاهرات منعطفا خطيرا. وأعلن الأمين العام للكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية "سي جي تي" فيليب مارتينيز الأسبوع الماضي أن النقابات سترسل رسالة إلى رئيس الجمهورية لمطالبته مجددًا بـ"تعليق مشروعه". وقال رئيس "الاتحاد الفرنسي للعمال المسيحيين" (سي إف تي سي) سيريل شابانييه في ختام الاجتماع "كرّرنا لرئيسة الوزراء فكرة أن لا حلّ ديموقراطيا إلّا بسحب نصّ إصلاح نظام التقاعد وردّت إليزابيت بورن بأنها تريد الإبقاء على نصها، إنه قرار خطير". واتهم جان لوك ميلانشون زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي، رئيسة الوزراء بـ"عزل نفسها عبر إنكار الواقع" وتحويل "أزمة اجتماعية إلى أزمة سياسية بعنادها". ويتهم بعض المعارضين اليساريين، منهم القيادي في الحزب الشيوعي فابيان روسيل، الرئيس الفرنسي بأنه "يراهن على تلاشي" الحركة الاجتماعية لتنفيذ القانون الجديد. وفي المقابل، رفض فريق الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يقوم بزيارة للصين، الاعتراف بوجود "أزمة ديموقراطية". وقال مصدر في الوفد المرافق لماكرون "أن يسعى رئيس منتخب مع أغلبية منتخبة إلى تنفيذ مشروع تمّ عرضه بشكل ديمقراطي، فإنّ ذلك لا يسمّى أزمة ديمقراطية". وتشهد شعبية الرئيس الفرنسي تراجعا متسارعا إذ كشف استطلاع أجرته مجموعة "أودوكسا" أن 30 في المئة فقط من الفرنسيين يرون أن ماكرون رئيس "جيّد"، بتراجع من ستّ نقاط مئوية خلال شهر، فيما ينظر إليه 70 في المئة من المستطلَعين بسلبية.  ويرى خبراء أن العديد من الدول الأوروبية ستنسج على منوال فرنسا فيما يتعلق بملف التقاعد، إذ تواجه المشكلة نفسها والتي تتمثل في اختلال التوزانات المالية وتفاقم أعبائها المالية واستنزاف رواتب المتقاعدين والمصاريف الاجتماعية لنفقات الدولة، في الأثناء تعاني الدول الأوروبية من تهرّم سكاني ما يجعلها مضطرة إلى تعديل نظام التقاعد للتخفيف من الأعباء المالية والحيلولة دون مزيد تدهور أوضاع الصناديق التقاعدية.  

مشاركة :