معركة ليّ الأذرع بين سعيد ومعارضيه تدخل مرحلة استعراض للقوة

  • 3/2/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تونس - دخلت معركة لي الأذرع بين الاتحاد العام التونسي للشغل وجبهة الخلاص الوطني التي تشكل واجهة سياسية لحركة النهضة الإسلامية من جهة وحكومة الرئيس قيس سعيد من جهة ثانية، مرحلة جديدة من التصعيد مع قرار السلطات التونسية عدم الترخيص لمظاهرة تعتزم الجبهة تنظيمها يوم الأحد وكذلك منع قدوم وفد من الاتحاد الدولي للنقابات للمشاركة في مظاهرة ينظمها اتحاد الشغل يوم السبت بدأ يحشد لها في حملة تعبئة انطلقت اليوم الخميس من خلال إضراب لعمال وموظفي شركة السكك الحديد. وتتزامن هذه التطورات مع توتر لا يهدأ بين جبهة الخلاص واتحاد الشغل والرئيس قيس سعيد، بينما توحي التحركات الاحتجاجية بمسار واحد رغم عدم انخراط اتحاد نورالدين الطبوبي بشكل رسمي وعلني في حراك جبهة أحمد نجيب الشابي المدفوعة من حركة النهضة الإسلامية. ويأتي قرار منع قدوم وفد من الاتحاد الدولي للنقابات، بينما كانت الرئاسة التونسية قد اعتبرت الشهر الماضي الأمينة العامة لاتحاد النقابات الأوروبية إيستر لانش، شخصية غير مرغوب فيها وأمرت بطردها بعد مشاركتها في مظاهرات نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل وأدلت بتصريحات أُعتبرت تدخلا في الشؤون الداخلية.     وقال موقع "الشعب نيوز" التابع لاتحاد الشغل "تم منع الرفيق ماركو بيريز مولينا مسؤول التعاون مع أفريقيا وآسيا بالنقابات الإسبانية من دخول التراب التونسي عند وصوله إلى مطار تونس قرطاج ليقع ترحيله فورا"، فيما أكدت المنظمة العمالية أن منع النقابيين من القدوم لتونس "هو استهداف للاتحاد والعمل النقابي المستقل.. ويعمق من عزلة تونس". وقالت جبهة الخلاص الوطني اليوم الخميس أنها ستنظم احتجاجا يوم الأحد متحدية رفض السلطات السماح لها بتنظيمه، بينما قال محافظ (والي) تونس في بيان إنه يرفض التصريح بإقامة احتجاج الجبهة بسبب شبهات ضد بعض قيادييها. وشملت حملة الاعتقالات الأخيرة قيادات بالجبهة من بينهم معارضين بارزين للرئيس سعيد بتهم تقول المعارضة إن لها دوافع سياسية. ولتبرير إضراب القطارات قال الكاتب العام للنقابة الخصوصية للسكك الحديدية نجيب الجلاصي إن النقابة كانت قد أصدرت برقية التنبيه بالإضراب منذ 27 فيفري/شباط وحدّدت أولى جلسات التفاوض يوم 23 من نفس الشهر دون أن تعقد بسبب تغيّب كل من الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للسكك الحديدية وممثل عن رئاسة الحكومة، محملا الطرف الإداري مسؤولية الدفع بالنقابة إلى اتخاذ هذه الخطوة. وفسر المسؤول النقابي الالتجاء إلى الإضراب بعدد من النقاط العالقة من بينها التراجع عن تطبيق الزيادة في الأجور على خلفية أن الاتحاد يعتبر أن طريقة احتسابها غير مطابقة لما وقع الاتفاق بشأنه، بالإضافة إلى المطالبة بتنقيح النظام الأساسي الذي لم يقع تعديله منذ 23 سنة وتمتيع الأعوان الذين قضوا 25 سنة من الترقية الآلية. وأبدى العديد من التونسيين اليوم الخميس سخطهم إزاء هذا الإضراب الذي عطّل مصالحهم، محملين النقابة مسؤولية الفوضى التي شهدتها محطات القطارات. وكثف اتحاد الشغل خلال الأيام الأخيرة جهوده لإنجاح التجمع العمالي، إذ أطلق حملة واسعة تدعو كافة منظوريه إلى الحضور بكثافة، كما تعددت دعوات النقابات بمختلف القطاعات التي تحث النقابيين وكافة الأعوان والمسؤولين إلى أن يكونوا في الموعد يوم السبت ببطحاء محمد علي بالعاصمة. ويسعى اتحاد الشغل إلى إظهار أن بمقدوره تحريك الشارع لإجبار السلطة على الاستجابة لمطالبه، تنفيدا لتهديدات أطلقها أمينه العام نورالدين الطبوبي مؤخرا مؤكدا من خلالها أن المنظمة لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء الأزمة التي تعيشها البلاد، لافتا إلى أن التاريخ أثبت أن تونس لا تحكم بكلمة واحدة في رسالة موجهة إلى الرئيس قيس سعيد الذي يتجاهل المبادرة التي يستعد الاتحاد لعرضها على السلطة السياسية القائمة ويرفض كافة محاولاته للاعتراف به شريكا سياسيا مثلما كان الحال خلال العشرية الماضية. وأطلقت المنظمة العمالية مؤخرا سلسلة من التحركات الاحتجاجية بذريعة الدفاع عن المقدرة الشرائية والحق النقابي عقب إيقاف عدد من النقابيين وإحالة 16 مسؤولا نقابيا على التحقيق على خلفية إضرابات شملت قطاعات حيوية وبرمجة أخرى في إطار مساعي الاتحاد الكلاسيكية القائمة على الالتجاء إلى هذه الورقة في معاركه مع السلطة.  ويحمل التصعيد من طرف المنظمة العمالية مؤشرات على حالة الارتباك التي تعصف بالاتحاد، خاصة بعد اتساع حملة الإيقافات التي شملت طيفا واسعا من الشخصيات والسياسيين، مع تمسك سعيد بضرورة محاسبة كل الأطراف المتورطة في استغلال الأوضاع الاجتماعية لضرب استقرار الدولة. ولمّح الرئيس التونسي خلال في مناسبات عديدة إلى تورط اتحاد الشغل في افتعال الأزمات، مبديا استعداده لقطع الطريق أمام محاولات ابتزاز الدولة، خاصة في هذا الظرف الذي تعيشه البلاد. وكانت الاتحادات الجهوية بعديد المحافظات (الولايات) قد نفذت الأسبوع الماضي تجمعات عمالية ومسيرات في اختبار أولي تمهيدا لتجمع السبت 4 مارس/آذار بالعاصمة.  وعزا الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري هذه الاحتجاجات إلى الغضب من تردي الأوضاع الاجتماعية ودفاعا عن المنظمة التي تتعرض لهجمة طالت عددا من النقابيين وأدت إلى عزل بعضهم. وتتهم المعارضة الرئيس التونسي بالاستحواذ على معظم السلطات عبر حل البرلمان والتحرك للحكم بالمراسيم، بينما يؤكد سعيد أن تصرفاته قانونية وأنه بحاجة إلى إنقاذ تونس من الفوضى ووعد بدعم الحقوق والحريات. وكانت أغلب الاحتجاجات منذ توليه مقاليد السلطة نظمت بعد الحصول على ترخيص.    واستنكرت 28 منظمة تونسية اليوم الخميس ما وصفتها بـ "حملة التشويه والتحريض" التي تستهدف المنظمات الوطنية والنقابية في البلاد وفق بيان مشترك صادر عن منظمات من بينها اتحاد الشغل ونقابة الصحفيين والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات واتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وطالبت المنظمات الموقعة على البيان النيابة العمومية بتحمّل مسؤوليتها التاريخية في حماية الحقوق والحريات وكرامة الإنسان والسلامة الجسدية للأشخاص والهياكل التي تتعرض لهجمات وتحريض قد يؤدي إلى العنف في أي لحظة، وفق تعبيرها. كما رفضت الخطاب التحريضي والعنصري وأدانته بشدة، خاصة مع التطورات الأخيرة التي منحت هذا الخطاب الخطير غطاءً من السلطة. ولفتت إلى أن "السياق السياسي العام الدقيق والمتأزم الذي تعيشه تونس وتدهور القدرة الشرائية وارتفاع وتيرة المحاكمات التي طالت نقابيين وصحفيين ونشطاء مدنيين وسياسيين يستوجب من جميع القوى الحية في البلاد مزيدا من اليقظة للدفاع عن الحقوق والحريات". وشددت المنظمات على أن تعمل الجهات المعنية لحماية "حرية الصحافة والتعبير والحق النقابي وحرية الاحتجاج السلمي والحق في المحاكمة العادلة". تونس - يقاوم الرئيس التونسي قيس سعيد ضغوطا داخلية وخارجية على أكثر من جبهة، ففي الوقت الذي يعمل فيه على تفكيك منظومة الفساد التي أنهكت الدولة وأثقلت كاهلها وفي الوقت الذي يواجه فيه مركزية نقابية مؤثرة تحاول استعادة زمام المبادرة وفرض أجندة لا تتناسب حسب الحكومة مع وضع مالي صعب، يتعرض في الفترة الأخيرة لانتقادات غربية ترتقي وفق وجهة نظر الرئاسة التونسية إلى تدخل في شؤون البلاد  وفي هذا السياق عبر الاتحاد الأوروبي عن انشغاله إزاء التطورات الأخيرة في تونس، مؤكدا على "ضرورة أن  تعمل مختلف القوى السياسية والمدنية معا من أجل مشروع مشترك ومتكامل للبلاد"، وفق تصريح للمفوض السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل صدر اليوم الأربعاء. وقال إن "الاتحاد الأوربي يتابع عن قرب وبانشغال التطورات الأخيرة في تونس، هذا البلد الجار القريب الذي تربطنا به شراكة عميقة وإستراتيجية"، معربا عن الأمل في أن تتمكن السلطات التونسية من التوصل إلى الحلول المناسبة للعديد من التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجهها البلاد في لحظة دقيقة، معبرا عن "القلق الشديد إزاء تدهور الوضع الاقتصادي على وجه الخصوص وتأثيره على الجانب الاجتماعي الذي قد يسببه ذلك لشريك طويل الأمد"، مشددا على ضرورة أن تعمل مختلف القوى السياسية والاجتماعية معا من أجل مشروع مشترك ومتكامل للبلاد. وأكد بوريل مجددا الاستعداد لدعم الجهود التونسية المتعلقة بالإصلاحات الهيكلية العاجلة التي ستقوم بها البلاد، مشيرا إلى أنه على اتصال مع الأطراف الأوروبية من أجل مناقشة الوضع في تونس معهم خلال مجلس الشؤون الخارجية في مارس/آذار المقبل. ويأتي هذا الموقف أياما بعد تصريح مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فولكر تورك الذي أعرب عن "قلقه من تفاقم القمع ضد أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون سياسيون ومنتمون إلى المجتمع المدني في  تونس من خلال الإجراءات التي اتخذتها السلطات في مواصلة لتقويض استقلالية القضاء".  ودعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان السلطات التونسية إلى "احترام معايير الإجراءات القانونية المحاكمة العادلة والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، بمن فيهم أي شخص محتجز على خلفية ممارسته لحريته في الرأي أو التعبير". وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أكد رفضه التام لأي تدخل أجنبي في شؤون البلاد، مشددا على أنه لا مجال للسماح لأي جهة كانت من الخارج للاعتداء على سيادة الدولة وسيادة شعبها. وكان قضاة التحقيق قد أصدروا خلال الأيام الأخيرة بطاقات إيداع بالسجن بحق عدد من الشخصيات الموقوفة في قضايا مختلفة وذلك مع حرص الرئيس سعيد على الشروع في محاسبة الفاسدين باعتبارها مطلبا شعبيا مع وضع حد للإفلات من العقاب. وأطلقت السلطات حملة اعتقالات واسعة طالت عددا من السياسيين المعارضين للاشتباه بتورطهم في تهديد أمن الدولة، فيما اتهم سعيد بعض الموقوفين بـ"التآمر على أمن الدولة"، وحمّلهم المسؤولية عن أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار. ورفض الرئيس التونسي الانتقادات الدولية بشأن الإيقافات مشددا على أن الحقائق ستكون مزلزلة وقال خلال لقاء جمعه مؤخرا برئيسة الحكومة نجلاء بودن "لم نبعث ببرقيات ولن ندلي بتصريحات تعبّر عن انشغالنا بوضع حقوق الإنسان في عدد من العواصم التي تصدر منها هذه البيانات". كما شدّد على أن تونس "ليست تحت الاستعمار أو الانتداب، بل دولة مستقلة ذات سيادة ونعلم جيدًا ما نقوم به في ظل احترام شامل للقانون"، متهما قوى سياسية معارضة بالاستعانة بالأجنبي لانتهاك السيادة الوطنية والتدخل في شؤون تونس. واعتبرت جبهة الخلاص (الواجهة السياسية لحركة النهضة) أن الاعتقالات الأخيرة التي شهدتها البلاد وشملت عددا من الشخصيات تمت "عبر دوس القانون ومن خلال العنف ودون أذون قضائية". وأكد رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي أن "هجمة الاعتقالات اتسعت وهي تتسع يوما"، مشيرا إلى أنها "تتزامن مع معركة اتصالية كبرى بين المعارضة والقوى المدنية والسلطة التي تريد أن تقدم هذه الاعتقالات على أنها تلاحق إرهابيين ومتآمرين على أمن الدولة وسيادتها". وأضاف "في المقابل واجهت المعارضة والمجتمع المدني هذه السردية الزائفة بكشف حقائق الأمور بأن هذه الاعتقالات تستهدف فقط الخصوم السياسيين وكبت صوت النقابيين المدافعين عن الطبقات الاجتماعية المتضررة من سوء إدارة الوضع العام من قبل السيد قيس سعيد".  

مشاركة :