المدابغ المصرية.. تاريخ في مهب الريح

  • 2/11/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تقف صناعة دباغة الجلود في مصر، ومن خلفها تاريخ عريق، لتواجه تقلبات الزمن، وهيمنة التكنولوجيا الحديثة، بمزيد من الإتقان، ما يجعلها واحدة من أهم المهن التقليدية التي تقاوم الاندثار في زمن الآلات الحديثة والتكنولوجيا فائقة الجودة. وتعد صناعة الدباغة من أقدم الصناعات التقليدية في مصر، إذ يرجع تاريخها إلى العصر الفرعوني القديم، وعرف المصري القديم أهمية الجلود، فدبغها وصبغها، وصنع منها النعال والسيور الجلدية، واستخدمها في التدوين، وتكشف العديد من الحفريات عن عشرات من الوثائق التاريخية، التي كتبت على جلد الماعز وغيرها من الجلود التي برع المصري القديم في استخدامها. وتحفل المنطقة الواقعة خلف سور مجرى العيون، بعشرات من ورش دباغة وصناعة الجلود، لا ينافسها في ذلك سوى منطقة الجيارة وعين الصيرة بالقاهرة الفاطمية، وتعد الأخيرة منشأ هذه الصناعة، حيث تمتد الورش بها حتى حدود حي السيدة نفيسة، وتقدر الإحصاءات الرسمية عدد المدابغ في منطقة عين الصيرة وحدها بنحو 250 مدبغة، وتضم منطقة المدابغ في مصر القديمة نحو 540 ورشة ومصنعاً صغيراً لأعمال الدباغة، يعمل بها 5 آلاف عامل. وتمر عملية دباغة الجلود بعدة مراحل قبل أن يصل المنتج إلى الأسواق، وهي تبدأ بمرحلة التمليح، التي يقوم خلالها الصناع بوضع الجلود في حوض كبير، يحتوي على ماء مضاف إليه كميات كبيرة من الملح، لتنظيف الجلد من الرواسب، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة إزالة الشعر الموجود على الجلود، ويقوم بذلك عمال متخصصون عن طريق براميل كبيرة تحتوي على مواد كيميائية الخطرة، التي يتعين التعامل معها بحرص. وتمر الجلود بعد تلك المرحلة على آلة المقلوبة، وهي آلة تقليدية تشبه الساقية، وتحتوي على شفرات حادة، يتطلب التعامل معها حذراً شديداً، وتقوم تلك الشفرات بإزالة ما قد يتبقى من شعر على الجلود، بعد مرحلة التمليح، ليصبح الجلد جاهزاً بعدها للصباغة، التي غالباً ما تتم داخل براميل كبيرة معلقة، تحتوي على الصبغات المختلفة، ويتم تعليق الجلد بعد هذه المرحلة في أماكن مخصصة ليجفف، قبل أن يتم ترطيبه ليصبح أكثر لين، باستخدام آلة مخصصة لذلك. يصبح الجلد جاهزاً للدباغة، بعد تلك المراحل، فيتم الدفع به داخل أفران كبيرة، تساعد بحرارتها على منحه الليونة اللازمة، قبل أن يذهب إلى ورش الإنتاج ليكون جاهزاً للتشكيل. ومنذ سنوات بعيدة تواجه عمليات دبغ الجلود بالطريقة التقليدية اتهامات من قبل خبراء في شؤون البيئة، جراء المخاطر التي يتسبب فيها استخدام العديد من المواد الكيميائية، وقد دفعت هذه الاتهامات الحكومة إلى التفكير جدياً في نقل منطقة المدابغ إلى حدود القاهرة، بسبب زيادة حجم التلوث الذي تسببه، والذي بات يهدد حياة سكان منطقة مصر القديمة والمناطق المحيطة بها، بسبب الغازات التي تنتج عن عملية نقع الجلود، وإزالة الشعر عنها، وأعلنت الحكومة منذ سنوات عن مشروع لنقل منطقة المدابغ إلى منطقة الحرفيين الجديدة، وقد دخل على خط التطوير الصندوق الاجتماعي برصد مبالغ ضخمة لتحديث الماكينات القديمة، وإقامة مراكز للتدريب والخدمات الفنية والتسويق، حيث يقدر خبراء مصريون، أن تصل قيمة الإنتاج بعد تنفيذ المشروع إلى نحو 7 مليارات جنيه سنوياً، منها مليار جنيه جلود و6 مليارات جنيه منتجات جلدية، وأن تصل قيمة الصادرات إلى نحو 1 مليار دولار سنوياً، إلى جانب تضاعف إنتاجية الجلود والوصول بها إلى 200 مليون قدم مربعة، مع حلول عام 2017، مع الأخذ في الاعتبار تحسين ظروف العمل والتطورات الحديثة، وتوفير الخدمات الأساسية. وينظر العديد من خبراء الاقتصاد إلى صناعة الجلود في مصر، باعتبارها واحدة من الصناعات التي تمتع بمقدرة تنافسية ومستقبل واعد، لكنها تحتاج - حسبما يقول الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات القانونية والاقتصادية - إلى نقلة نوعية، حيث إنها تعاني مشكلات هيكلية كبرى. ورصدت الحكومة المصرية مؤخراً 10 ملايين جنيه، لجهة إنشاء مركز لتكنولوجيا الجلود، ويقول مسؤولون حكوميون، إن الدولة تعتزم إقامة مركز اختبارات لمنتجات الجلود، من شأنه أن يمثل صمام أمان ضد المنتجات الرديئة، التي تأتي من الخارج، فضلاً عن اختبار جودة المنتجات المصرية، التي تعاني منذ عقود فوضى الاستيراد.

مشاركة :