ذم الله المطففين الذين ينقصون حقوق الآخرين في الوزن والكيل لكنهم يستوفون حقهم فيه كاملاً، ومن المؤسف أن يوجد مثل هذا التصرف عند بعض السياسيين، فمثلاً إذا صدر حكم يعجبهم من المحكمة الدستورية قاموا بالإعجاب والثناء، وإذا لم يعجبهم هاجموا المحكمة ورموها بأبشع الصفات، وطعنوا في قضاتها الخمسة ونزاهتهم، وطالبوا بتغيير القضاة، ولم يكن هذا الخلق سائداً في السابق بل كان الدفاع عن القضاء هوالأغلب والأعم. فأذكر أنه في أحد المجالس السابقة قام أحد الوزراء بتوجيه بعض أعضاء النيابة إلى الإسراع في تحقيق بعض قضايا الأموال العامة، فأعلن النائب مشاري العصيمي استجواب الوزير لأنه ليس للوزير حق توجيه النيابة، فاعتذر الوزير للنيابة وانتهى الموضوع عند هذا الحد، وعندما قدم النائب حسين القلاف استجواباً لي يتعلق باختصاص النائب العام قام الإخوة الأعضاء وفي مقدمتهم مشاري العصيمي والعنجري والرومي والنيباري وأعضاء الحركة الدستورية وغيرهم بإحالته إلى اللجنة التشريعية التي أكدت أنه مخالف للدستور الذي كفل استقلال القضاء والنيابة وعدم جواز التدخل فيه، فصوّت الأعضاء بالأغلبية على شطبه من جدول الأعمال، أما الآن فكثير من الأعضاء يطالبون بعدم شطب أي استجواب مهما كان مخالفاً للدستور واللائحة، ويقولون إن الاستجواب حق للنائب وينسون أن في الاستجواب أيضاً ضوابط للطرف الآخر كفلها الدستور. وعندما أبطلت المحكمة الدستورية المجلس المبطل الأول أيد جميع الأساتذة الدستوريين هذا الإبطال، ولكن اليوم هناك من لم يعجبه حكم الدستورية الأخير فانتقد الحكم بشكل علمي، وهذا مقبول بلا شك، ولكن هناك من راح يفتي بأنه غير ملزم بالحكم، وأنه صدر معدوماً وراح يطالب بتغيير المحكمة الدستورية رغم صراحة النص الدستوري والقانوني بعدم جواز عزل القضاة وخطورة عدم تنفيذ الأحكام القضائية. ونسمع من بعض الأعضاء تمسكهم بالدستور وصلاحياتهم المنصوص عليها فيه لكنهم يتغاضون عن حقوق الوزراء الشرعية والدستورية المنصوص عليها فيه أيضاً، وأبرز دليل هو الدفاع الحالي عن الشيخ أحمد النواف ضد ما قيل فيه من إساءات، وهو لا شك يستحق هذا الدفاع، ولكنهم نسوا أنهم قالوا مثلها من إساءات عن الشيخ صباح الخالد من قبل، وقاموا أيضاً بتقديم استجوابات غير دستورية له بعد انتخابات الرئاسة مباشرة تحاسبه على من انتخب للرئاسة، مع أنه حق مكفول دستورياً، وكذلك قدموا الاستجوابات التي تجاوزت الدستور، وتم تقديمها حتى قبل تشكيل الحكومة، وأيضاً الاستجواب الذي قُدم للشيخ حمد جابر العلي قبل أن يبدأ عمله وهذه مخالفة واضحة للدستور، حيث وصفه بعد جلسة الاستجواب أنه عبث لا ديموقراطية. وهناك من اتهم غيره بالفساد وطعن في ذمته وطعن في ذمة أعضاء مجلس مؤسسة التأمينات، واتهم بعض الوزراء بتحويل مبالغ الوزارات إلى حساباتهم الشخصية لكنهم لم يأتوا بأي دليل، ولم يعتذروا على هذا الانتقاص من حقوقهم الشرعية والمخالف للائحة. وهناك الكثير من الأمثلة من المواقف التي يريد (بعض السياسيين وليس الجميع بالتأكيد) استيفاء حقوقهم فيها بالكامل مع انتقاص حق غيرهم، وما على المواطن الحصيف إلا متابعة أعمالهم وتصريحاتهم ليكتشف ذلك بسهولة وليكون الهدف ترشيد العمل النيابي وحمايته من أي انحراف. قال تعالى: «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَووَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ».
مشاركة :