العملات بين التحول الرقمي والابتكار «2 من 2»

  • 4/9/2023
  • 23:14
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تواجه التعاملات المالية التقليدية الحالية في كثير من الدول عموما تحديات كبيرة من ناحية السرعة والكفاءة والأمان، ولا شك أن التوجه نحو الابتكارات المتعلقة بالتكنولوجيا المالية "التقنيات المالية" التي توفر حلولا رقمية مبتكرة لتلك التحديات، أصبح ضرورة لكي يساعد على تسهيل وتقليل التكاليف وزيادة الثقة والأمان، فعلى سبيل المثال، هناك عدد من التقنيات والابتكارات التكنولوجية مثل تقنية التعرف على الوجه وتقنية التحقق الثنائي العام وتقنية One-time Password وتقنية التحقق الفوري من هوية المستخدمين والتحكم في الوصول إلى الحسابات وزيادة أمانها، وتقنية السلسلة الكتلية لتتبع العمليات المالية بشكل فاعل وآمن، ومع التحول الرقمي الكبير الذي نشهده في واقعنا الحالي، تغير كثير من الطرق التي نتعامل بها في عديد من أمورنا الحياتية بمختلف أشكالها وأنواعها بما في ذلك ظهور العملات بأشكال تقنية مختلفة، وتحدثت في المقال السابق عن ذلك من خلال تعريف كل من العملات الرقمية والافتراضية والفرق بينهما، واستخداماتها وأنواعها، وكيف أنه مع هذا التحول الرقمي، بدأت هذه العملات في الظهور حيث تحظى بكثير من الاهتمام، وفي هذا المقال سأستكمل الحديث عن مزايا وعيوب هذه العملات الرقمية والدور الذي تلعبه التقنيات التكنولوجية والابتكارات النوعية في ذلك، وآثارها الاقتصادية عموما. تعد العملات الرقمية جزءا مهما من التحول الرقمي والابتكار الذي نشاهده في عالمنا اليوم وفي مختلف القطاعات والمجالات، وتزداد أهمية هذه العملات في العالم الرقمي، خاصة مع تطور التكنولوجيا وتحول الاقتصاد العالمي إلى ما يعرف بـ"الاقتصاد الرقمي"، وفي الأعوام الأخيرة، بدأ العالم يشهد ظهور عديد من هذه العملات الرقمية وبأشكال جديدة وبأنواع مختلفة ذكرت بعضها سابقا، وأصبحت لهذه العملات الرقمية مزايا واضحة من خلال التعاملات المالية، حيث تسمح بإجراء عديد من العمليات المالية والتجارية بسرعة وأمان عبر الشبكات العنكبوتية "الإنترنت"، ودون الحاجة إلى وسطاء ماليين مثل البنوك أو الشركات الائتمانية، وذلك يعد في حد ذاته ابتكارا مهما في عالم الأعمال والتجارة الإلكترونية، حيث تلعب الابتكارات وبشكل كبير ومستمر في تحسينها وتطويرها، ومن بين هذه الابتكارات والتقنيات، التي تستخدمها هذه العملات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وتقنية بلوكتشين، التي تمكن المستخدمين أفرادا وشركات من إجراء تعاملاتهم المالية بشكل أسرع وأكثر كفاءة وشفافية وأمان، وتزيد من خصوصيتها وبتكاليف أقل من الطرق التقليدية المتعارف عليها، وذلك كله يجعل منها جذابة في جميع أنحاء العالم. ومع تزايد استخدام العملات الرقمية، يتزايد الحديث عن الابتكار والتحول الرقمي في المجتمعات خاصة الاقتصادية منها، حيث تعد تلك العملات مثالا حيا على قدرة التكنولوجيا على تحويل الأساليب التقليدية في المجال المالي والتجاري، حيث بدأت بعض الدول في السماح وبشكل واسع باستخدام هذه العملات الرقمية، وقد أجريت مسحا مختصرا ووجدت أن هناك عديدا من الأمثلة على ذلك، مثل اليابان التي تعد واحدة من أوائل الدول التي سمحت بشكل قانوني باستخدام العملات الرقمية 2017، وكذلك في الولايات المتحدة التي تعد من الدول الرائدة في ذلك ويمكنك استخدامها للدفع عن طريق الإنترنت وفي بعض المتاجر، وفي سويسرا تعمل الحكومة على إنشاء بيئة وسياسة تنظيمية مناسبة للتعامل مع مثل هذه العملات، ففي 2019، قام البنك المركزي السويسري بتطوير نظام للعملات الرقمية الخاصة به، التي يمكن استخدامها للتداول والتحويلات المالية، والحال نفسه في سنغافورة، حيث أطلقت "السلطة النقدية السنغافورية" مشروعا لاستخدام العملات الرقمية الخاصة بها، الذي يهدف إلى تسهيل عمليات التحويلات المالية وتحسين كفاءة النظام المصرفي هناك، كما أن هناك تجمعا لبعض دول شرق آسيا "ماليزيا، سنغافورة، تايلاند، إندونيسيا وغيرها" لعمل عملة رقمية موحدة تسهم في تسريع التعاملات بين تلك الدول، وكذلك الحال في بعض دول أمريكا الجنوبية، وفي زيارتي الأخيرة إلى أستراليا وجدت بأنه تم السماح باستخدامها، لكن بشكل محدود، حيث ما زال تنظيمها قائما من قبل هيئة الرقابة المالية الأسترالية، وفي الإمارات تم السماح أيضا باستخدام هذه العملات الرقمية والمدعومة بتقنيات البلوكتشين والحكومة تعمل على إطلاق عدد من العملات الرقمية الخاصة بها، وهناك عديد من الدول الأخرى التي سمحت بشكل محدود باستخدام العملات الرقمية مثل كندا والمملكة المتحدة، حيث تحتاج العملات الرقمية إلى ترخيص من قبل هيئات الرقابة المالية في تلك الدول، ومن المتوقع أن يزداد استخدامها في المستقبل مع زيادة التطور التقني والتنظيمي. وفي الوقت الذي نلمس ونشاهد فيه الابتكارات النوعية والتقنيات التكنولوجية المتطورة وبشكل لم يسبق لها مثيل، نجد أن في مملكتنا الحبيبة وفي ظل القيادة التي أولت التحول الرقمي الاهتمام الكبير وأنشأت لذلك الهيئات والمراكز البحثية وغيرها، ومنحت تراخيص لبنوك رقمية مثل بنك إس.تي.سي الرقمي والبنك السعودي الرقمي، وكما ذكرت سابقا أن العملات الرقمية أضحت جزءا مهما من التحول الرقمي والابتكار، وتعتمد في ذلك على التكنولوجيا المتطورة، وستسهم في إنشاء اقتصادات رقمية مستدامة، ولكون البنك المركزي السعودي الجهة الرئيسة التي تشرف على صدور النقود والعملات الرسمية، أرى أن يتم تكثيف الدراسات والتجارب في هذا المجال من خلال الاستفادة من الخبرات المحلية والدولية وعقد الشراكات العالمية، وتكثيف البحث والتطوير والابتكار من خلال مركز الابتكار لديهم، حيث يتم ربطه مع الجهات ذات العلاقة من جامعات وهيئات ومراكز بحثية وربطه كذلك مع بنوك محلية ودولية وذلك من خلال ما يعرف بمراكز الابتكار، لاحتضان الأفكار والمشاريع الريادية الرقمية في هذا المجال، والعمل على تطويرها والخروج بمنصات ومراكز موحدة توفر قاعدة متينة تسهم في تطوير آلية التعامل مع العملات الرقمية عموما، وبالتالي يتم التناغم مع مسارات العالم الخارجي في الابتكار والخروج بعملات رقمية سعودية بشكل خاص، وخليجية مستقبلا، ويتم تحقيق مكانة ريادية وأثر إيجابي لاقتصادنا الوطني.

مشاركة :