لم تثلج كلمات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قلوب مواطنيه، أمس الإثنين، بل على العكس، فقد أججت نيرانا كانت قد هدأت بعض الشيء خلال الأيام الماضية. ,أثارت كلمات نتنياهو استياء واسعا داخل أوساط عدة، خاصة مع تمسكه بإلقاء اللوم على الحكومة السابقة وعدم الاعتراف باقتراف أي أخطاء. وكان نتنياهو بالفعل يواجه أزمة في شعبيته، وفق استطلاع للرأي أجرته القناة 13 الإسرائيلية يوم الأحد، إذ أظهر أن حزب ليكود برئاسة نتنياهو سيخسر أكثر من ثلث مقاعده إذا أجريت انتخابات الآن وأن نتنياهو لن يحصل على أغلبية مع شركائه من اليمين المتطرف في الائتلاف. وعاد نتنياهو يوم أمس الإثنين ليقدم خطابا من عدة نقاط، كان كل منها بمثابة خطيئة أمام معارضيه الذين اتسعت دائرتهم خلال الأشهر الماضية، وفيما يلي أبرز تلك النقاط: التهرب من المسؤولية حمّل نتنياهو الحكومة السابقة، برئاسة يائير لابيد ونفتالي بينت، مسؤولية جعل إسرائيل عرضة للهجمات، وهو الأمر الذي استنكره لابيد. ورد قائلا: “بدلاً من عقد المؤتمرات الصحفية وإلقاء اللوم على الآخرين بشأن مشاكل صنعتها الحكومة المتطرفة والفاشلة الحالية فقد حان الوقت له ولوزرائه أن يتوقفوا عن التذمر وتحمل المسؤولية”. منظومة الردع واعترف نتنياهو في كلمته بتأثر منظومة الردع الإسرائيلية، لكنه لم يقدم أية حلول لهذه المعضلة، حيث قال: “إن استعادة قدرة الردع الإسرائيلية تحتاج إلى وقت أطول، وسنفعل ذلك”. تجاهل الشارع رغم أن الخطاب موجه إلى الشارع الإسرائيلي، إلا أن نتنياهو أكد قائلا: “سنتصدى لكل العمليات التي تستهدف أمن إسرائيل”، متجاهلا الغضب الشعبي المتزايد من مساعي تغيير قانون السلطة القضائية، وحاول توجيه الدفة إلى ملفات أمنية مثل سوريا ولبنان وغزة، قائلا: “إذا سمح نظام الأسد بإطلاق الصواريخ على إسرائيل من سوريا، سيدفع الثمن غاليا”، واستطرد في فقرة أخرى: “لن نسمح لحماس بإقامة بنية تحتية إرهابية في جنوب لبنان”. ولم يتطرق إلى أي من مخاوف الإسرائيليين بشأن الديمقراطية والتحول إلى ديكتاتورية، كما لم يشر إلى التأثير الاقتصادي لتلك التظاهرات المستمرة منذ أسابيع مع ارتفاع تكاليف المعيشة والأزمة الاقتصادية العالمية. وكذلك تجنب نتنياهو الخوض في ملف تزايد العنف والجريمة، وغيرها من الملفات التي سبق وتعهد بها. وزير الجيش أبقى نتنياهو على يوآف غالانت على رأس وزارة الجيش، الأمر الذي يعتبر نصراً للأخير وللمعارضة والشارع أيضا، ورغم أنه لم يذكر أية إشارة إلى أنه أخطأ في ذلك القرار، وحاول نتنياهو إظهار الأمر بكونه يتعلق بالتطورات الأمنية الأخيرة لإخفاء تراجعه البائس، على حد وصف الكاتب رامي يتسهار في موقع “عنيان مركازي”. علاوة على تجاهل الاحتجاجات بين صفوف قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، والتي رفضت الانضمام للوحدات احتجاجا على تعديلات قانون السلطة القضائية، لا سيما في ظل فقدان الثقة الذي حدث بين جنود وقيادات الجيش في القيادة السياسية. ميليشيات بن غفير وأبدى نتنياهو دعمه لتشكيل قوات “حرس وطني” تحت إمرة وزير الأمني القومي، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، قائلا: “أعتقد أن بن غفير كان محقا في رغبته في إنشاء الحرس الوطني، لكنني أريد أن أوضح أن هذه الوحدة لن تكون ميليشيا لأحد، وستكون هيئة أمنية منظمة ومهنية تابعة لأحد الأجهزة الأمنية”. وتجاهل المخاوف الأمنية والسياسية والشعبية من هذه الخطوة، فقطاعات واسعة داخل إسرائيل، سياسية واجتماعية، ترى في هذا التشكيل الجديد “ميليشيا تابعة لبن غفير”، سيستخدمها كما يشاء، كما أنها تمس بمنظومة الأمن الإسرائيلية، وقد يصل الأمر إلى تفكيك جهاز الشرطة. غضب متزايد وتحت عنوان “أعذار كاذبة وتفسيرات مفقودة”، قال الكاتب أمنون أبراموفيتش في مقال له، إن خطاب نتنياهو لم يقدم أية تفسيرات واضحة لحقيقة تردي الأوضاع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في فترة توليه رئاسة الحكومة، فلم يكشف أسباب تأثر المنظومة الأمنية، لا سيما بعد رفض العديد من قوات الاحتياط الانضمام لوحداتهم رفضا للتشريعات القانونية التي يسعى نتنياهو وائتلافه الحكومي لتمريرها عبر الكنيست والتي تمس بالسلطة القضائية واستقلاليتها. كما لم يفسر نتنياهو أسباب تأثر العلاقات الخارجية لإسرائيل، خاصة مع الولايات المتحدة التي تعد الركيزة الأساسية لأمن إسرائيل، فحتى الآن لم يتلق دعوة للقاء الرئيس الأميركي، جو بايدن، وتلقيه “توبيخاً” من قادة دول غربية. مخاوف وأخطار أما الكاتبة تامي يقيراه، فكتبت في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن الإسرائيليين يواجهون الآن عدة أخطار، أهمها: تسييس النظام القضائي تحول الديمقراطية إلى ديكتاتورية “ميليشيات بن غفير” إقصاء المرأة الإضرار بالعمل المنظم قوانين الإكراه الديني ورأت أنه لا يمكن أن تتواجد الديمقراطية داخل إسرائيل طالما ظل الفلسطينيون تحت الحكم العسكري، مؤكدة أن أحد الأهداف الرئيسية لتلك الحكومة اليمينية هو تعميق الاحتلال ونظام الفصل العنصري، الذي يطبق نظامان قانونيان أحدهما على اليهود والآخر على الفلسطينيين. وأمام هذه الأمور، يبقى نتنياهو وسط عاصفة سياسية قد تودي بتاريخه السياسي، وأمامه شبح مصير رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، الذي حوكم وسجن بتهم فساد. لكن الأمر حتى الآن لم يحسم، فنتنياهو لا يزال محتمياً باليمين المتطرف، أملا في توفير مظلة أمان لتمرير قوانين قد تسمح بعدم محاكمته في قضايا فساد تلاحقه، وربما قد يختتم بعدها حياته السياسية بهدوء.
مشاركة :