مِنَحُ.. ملهمة الفنانين والرسامين

  • 2/12/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

على مسافة 180 كم من العاصمة العمانية مسقط، تتربع ولاية منح وسط أربع ولايات، فضلاً عن خصوبة أرضها التي أكسبتها اسمها الذي اشتق من المنحة الإلهية، بحيث أصبحت مصدر الغذاء للولايات المحيطة، إلى جانب تراثها العريق الذي شكل مصدر إلهام للعديد من الفنانين والرسامين، مع شجرة المتك التي شكلت شعاراً للولاية، كونها تأبى أن تنبت في مكان آخر على الإطلاق. تقع ولاية منح وسط أربع ولايات عرفت بعراقتها، وهي نزوى وبهلا وإزكي وأدم، ترك التاريخ بصماته الواضحة فيها، من خلال تراثها اللافت، وهندستها المعمارية المميزة، سميت منح كجمع لكلمة منحة، وهي الأعطية أو الهبة الإلهية، كما لقبت أيضاً بأم الفقير، كناية عن الخيرات الكثيرة التي تطرحها أرضها المعطاء، وتتألف منح من مجموعة من القرى، أهمها البلاد التي تعد عاصمة الولاية ومركزها التجاري، وتقع في الوسط تماماً، و هناك أيضاً الفيقين نسبة إلى فلج الفيقين، الذي كان من أغزر الأفلاج في السلطنة، وهناك أيضاً معمد والمعرى وعز والمحيول ومتان وبونخيلة، و كلها قرى عامرة بالزراعة. ما يميز منح عن غيرها من الولايات، هي كثرة المعالم التاريخية والأثرية فيها والتي تحول بعضها إلى مزارات سياحية شهيرة، كما خلدها الفنانون التشكيليون العمانيون بلوحات رائعة تجدها منتشرة في الفنادق والمنتجعات العمانية، تحكي قصة تاريخ عميق، وتراث عريق، من أهم هذه المعالم، نجد حارة منح القديمة، التي تقع وسط البلاد، و تتكون من 300 منزل يحيط بها سور ضخم يصل عرضه إلى مترين و نصف المتر، مما يسمح للخيل وفرسانها بالتجوال فوقه لحراسة المكان أثناء الليل، و لها أربع بوابات ضخمة، و بها ثمانية مجالس سبلة ولكنها اليوم أطلال تحكي التاريخ و عظمة الأيام التي مرت على المكان، وهناك حالياً دراسة لترميمها وإعادة ملامح الفخار لها، لتصبح علامة سياحية بارزة للمنطقة الداخلية كلها، ضمن مخطط حكومي واسع لإعادة إحياء الحارات العمانية القديمة، التي تعد حارة منح أهمها على الإطلاق، وهناك أيضاً برج الجص الشهير الذي يتألف من ستة طوابق مبنية من الحصى والجص، لكن السنين وعوامل الطبيعة جارت عليه، وهدمت بعض طوابقه، ومن الرموز الأخرى نجد مسجد العين جنوب الحارة القديمة والذي يعود تاريخه إلى أكثر من 500 عام عندما قام ببنائه وزخرفته عبد الهيميمي، ويبلغ عرض محرابه مترين وارتفاعه أربعة أمتار، نقشت عليه بالخط الكوفي الأنيق الشهادتين وآيات من القرآن الكريم، وزخارف أخرى متعددة. ومن المعالم الأثرية المهمة في الولاية قلعة الفيقين و قلعة البلاد وقلعة أخرى في بلدة معمد، وحصن قديم في بلدة المعرى، إضافة إلى الجامع القديم الذي تم بناؤه في زمن الإمام عمر بن الخطاب الخروصي، و كذلك مسجد الشراة وجميعها جرى ترميمها خلال سنوات النهضة العمانية الحديثة، و تعدد المعالم السياحية في الولاية، حيث يوجد كهف متسع في حارة البلاد القديمة التي يحيط بها السور القديم، و يقال إن هذا الكهف كان مستخدماً في زمن الحروب كملجأ يختبئ داخله الأهالي من النساء والأطفال، كما أن هناك سرداباً في أحد البيوت القديمة ببلدة الفيقين، وآثاراً قديمة في جبل بو صروج، عبارة عن منازل لمحال تجارية مبنية بالحجارة، و على مقربة منها إلى جهة الجنوب نجد صخرة مكتوباً عليها من إبراهيم خليل الله ما نصه: التقينا في هذا المكان سبعين فارساً لا هم من منح ولا هم من نزوى، وفي مسجد عز القديم توجد صخرة بها أثر لقدم إنسان ولذلك قصة شيقة، حيث يقال إن أحدهم أخذها من مكانها على راحلته حتى انتهى إلى مكان في الجنوب، إذ نزل ليستريح، وكان ذلك في الليل وحين أصبح لم يجد الصخرة، وعندما بحث عنها وجدها في مكانها الذي أخذها منه، و يقدر وزن تلك الصخرة بخمسين رطلاً، ولا تزال موجودة في موقعها حتى الآن، وفي ولاية منح أيضا عينان للمياه، إحداهما عين البلاد، والأخرى عين المائية، كما يقدر عدد الأفلاج بأكثر من 13 فلجاً، أشهرها فلج مالك، نسبة لمالك بن فهم، الذي نزل بمنح قادماً من اليمن قبل الإسلام بألفي عام، نظراً لموقعها الاستراتيجي الحصين، وأقام معسكره ورجاله بها، وكان أول ما فعله هو شق فلجه المعروف حتى الآن باسم فلج مالك، وذلك حسبما يشير المؤرخ العلامة نور الدين السالمي، في كتابه تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان حيث إن آثار هذا الفلج ما زالت باقية حتى يومنا إلى جانب الموقع المسمى المرابيط، في قرية البلاد نسبة إلى مربط خيل مالك بن فهم. تتوسط منطقة البلاد حارة قديمة مهجورة، تسمى حجرة حصن البلاد وهي عبارة عن وحدة معمارية خططت بشكل هندسي منتظم، تحيط بها من الخارج تحصينات تساعد على حماية الحارة ومن بداخلها من الأخطار الخارجية، وذلك مخافة تعرضها لكثير من الغارات، والهجوم من الأعداء، ومن أهم هذه المرافق: السور والأبراج والقلاع، بالإضافة إلى الأبواب، يحيط بالحارة سوران، أحدهما السور الداخلي الكبير، الذي يضم مرافق الحارة، وسور آخر خارجي يسمى سور الصافية مندثر، لا يوجد له غير آثار قليلة و يضم السور الداخلي التكوينات المعمارية الأساسية للحارة، من دور ومساجد وسبل وشبكة الطرق والشوارع، ويتراوح سمك هذا السور ما بين 40 إلى 80 سم، ويصل ارتفاعه في بعض الأجزاء إلى 15 متراً وهو مقام من الطوب اللين المخلوط بالقش والحجارة، ويحوي هذا السور خمسة أبواب. ومنح اليوم واحدة من الولايات التي تفرض نفسها على أجندة أي مجموعة سياحية تزور المنطقة الداخلية لعمان، بهدف الاطلاع على الآثار التاريخية والثقافية للبلاد، حيث عاشت هذه الولاية في الماضي أشهر عصورها، وهي اليوم لا تزال تحتفظ بطابعها التراثي العريق الذي يفخر به أبناؤها دائماً.

مشاركة :