اعتبر أستاذ القانون التجاري وأسواق المال بكلية الحقوق، جامعة الكويت، د. عبدالله الخياط أنه لا مبرر لتمييز قانون الشركات الكويتي بين أعضاء الإدارة التنفيذية للشركات وأعضاء مجلس إدارتها في منعهم من منافسة شركاتهم، على خلفية منح القانون الفريق الأول هذا الحق ومنعه عن الفريق الثاني. وقال الخياط، في دراسة قانونية تنشرها «الجريدة»، إن أساس مبدأ منع أعضاء مجلس الإدارة في الشركات المساهمة العامة من منافسة الشركة يرجع إلى واجب الولاء، الّذي يدين به عضو مجلس الإدارة للشركة ومساهميها، مستنداً إلى ضرورة عدم وجود تعارض للمصالح بين الشركة وأعضاء مجلس الإدارة فيها. وفيما يلي نص الدراسة: لأن رئيسَ مجلسِ الإدارة وأعضاءَه يُعَدّونَ وكلاءَ عن الجمعية العامة للمساهمين الّذين يَنْتخبونَهم كي يقوموا بأعمال الإدارة فإنّهم يَلْتزمونَ - ما داموا ممثِّلين لهم - عَدَمَ منافسة الشّركة في أعمال قد تحقِّق ربحًا لها، أو اغتنام فرص تجارية كان من الطبيعي أنْ تَنْتهِزَها الشركة وَفْقًا لأغراض إنشائها. فيُتَرجَم هذا المبدأ إلى تسامي أعضاء مجلس إدارة الشركة مُضَحِّينَ للشركة ومساهميها بالفرص التجارية التي قد تُثْريهم شخصيًّا في أعمالهم الخاصة، بحيثُ يُعَدُّ هذا التسامي إجباريًّا لا تنازُل عنه إلّا إذا وافقت الشركة على فعل المنافسة. فالغايةُ من وراء المبدأ هي تقييد استغلال عضوِ مجلس الإدارة للفرص التجارية الداخلة من ضمن أغراض الشركة دون إتاحتها بدءاً لها لاتخاذ قرار بشأنها. ويرجع الأصل التاريخي لمبدأ عدم منافسة الشركة أوّلَ ما ظهر إلى القانون الإنكليزي عبر القواعد العامة الَّتي أسَّسها القضاءُ الإنكليزيُّ منذُ القرنِ الثّامنَ عشَر بواسطة سلسلة من السوابق القضائية التي استقرّتْ عليها المحاكمُ الإنكليزيّة فيما بعدُ، والمانعة لكلِّ مَن له التزامٌ تعاقديٌّ أو قانونيٌّ، محلُّه تَمْثيلُ الطرف الآخر والحفاظُ على مصالحه، مِن أنْ يَتربَّحَ بشكل أو بآخرَ من هذه العلاقة بأيِّ صورة كانت، أو أن يكونَ في موقف تتعارضُ فيه مصالحُه مع مصالح مَنْ يمثِّلُه، مِن مِثل الوَصيّ والقيّم والوكيل في عقد الوكالة، كعضو مجلس الإدارة الذي يقومُ بجميع الأعمال اللازمة لتسيير أمور الشركة نيابةً عن مساهميها. وبعبارة أخرى: وضعت المحاكم الإنكليزية على عاتق عضو مجلس الإدارة واجباً يقتضي تَخلِّيَه عن أيِّ فرصة تجارية فيها شبهةُ تعارُضٍ بين مصالحه الشخصية ومصالح الشركة الَّتي يمثِّلُها، بحيثُ يُترَك موضوعُ البتّ فيها لمساهمي الشركة. وانتقل المبدأ إلى الولايات المتحدة الأميركية في بدايات القرن العشرين، وسمعت أُولى الدعاوى المتعلِّقة بمنازعات تعارُض المصالح والمنافسة ما بين الشركة وأحد أعضاء مجلس إدارتها في ولاية ألاباما في عام 1900 في دعوى Lagarde v. Aniston Lime & Stone Company، الَّتي تتلخَّص وقائعُها في شراء إحدى الشركات - الّتي يدخل ضمن أحد أغراضِها التّنقيبُ عن المعادن في المناجم لاستخراجها وبيعها فيما بعدُ - ثُلُثَ مِلْكيّة أحدِ المناجم، مع إعلان رغبتها في المستقبل القريب في شراء الثُّلُث الثّاني والاحتفاظ به، وشراء الثُّلُث الثّالث وتأجيره كأصلٍ مُدرٍّ للأرباح. لكنَّ عضوَيْن في مجلس إدارة الشركة اشتَرَيا الثُّلُثَين الآخَرَين لحسابهما الشخصيّ بغرض الاستثمار، دون الاكتراث لقرار الشّركة الَّذي كانا عالمَيْن به بوَصْفهما عُضْوَين في مجلس إدارتها. وقرّرت المحكمة أنّ العضوين بشرائهما للمِلْكيات في المنجم قد كسرا عروة واجب الولاء الَّذي بينَهما وبين الشركة، إذ كانا عالمَيْن بقصد الشركة المتعلِّق بشراء الملكيات المتبقّية، وهذا ما يبرهن على سوء نيّتهما من حيثُ إنّهما سلبا فُرصًا مستَحَقَّة للشركة. ولم تُسَمِّ المحكمةُ هنا المبدأَ صراحةً باستغلال الفرص التجارية، إذ لم يكن مَبْدئيًّا سائدًا في ذلك الوقت، بل أعطت رأيَها استنادًا إلى قواعد العدالة المجرّدة. القضاء الأميركي ولم يكتف القضاء الأميركي بقصر انطباق المبدأ على أعضاء مجلس الإدارة فقط، وإنما مد ذلك لأعضاء الإدارة التنفيذية Executive Management في الشركات المساهمة العامة لاتحاد العلة، وهي منع تعارض مصالح الشركة ومساهميها مع من يتولى إدارتها وتسيير عملياتها اليومية، سواء كان عضواً في مجلس الإدارة بالتعيين كعضو مجلس الإدارة المستقل - او بالانتخاب من قبل المساهمين، أو عضواً تنفيذياً كالرئيس التنفيذي والمدير المالي للشركة. فمن غير المنطقي قصر هكذا مبدأ على أعضاء مجلس الإدارة بحجة أنهم وكلاء على المساهمين، والسماح للأعضاء التنفيذيين بمنافسة الشركة دون قيود كونهم محض موظفين في الشركة وليسوا بوكلاء عن مساهميها. ونظَّم المشرِّع الكويتي مبدأَ عدم منافسة الشركة في قانون الشركات الحالي رقم 1 لسنة 2016 في المادة 197 منه، وذلك بمَنْعه أعضاءَ مجلس الإدارة من القيام بأي عمل من شأنه منافسة الشركة، أو أن يتَّجِروا لحسابهم أو لحساب غيرهم في أحد فروع النشاط التي تُزاولها الشركة، وإلا كان للشركة أن تطالب بتعويض أو باعتبار العمليات التي زاوَلَها أعضاء مجلس الإدارة بالمخالفة كأنها أجريت لحساب الشركة، ما لم يكن ذلك بموافقة الجمعية العامة العادية. وبينت المذكرة الإيضاحية للقانون سبب تنظيم مبدأ عدم منافسة الشركة في القانون الكويتي، إذ وضحت أن إصدار القانون الجديد الذي يعود هدفه الرئيس إلى رغبة الدولة في مواكبة التغيرات المتنوعة، أهمها الاقتصادية، التي صاحبت التطور الذي لحق بتشريعات الشركات التجارية على مستوى العالم، ومن أجل تحسين بيئة عمل الشركات محليا، وتشجيعا للاستثمار في الكويت للنهوض بمشروعات التنمية الاقتصادية فيها. إلا أن المادة 197 من قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016 نصت على سريان مبدأ عدم منافسة الشركة على رئيس مجلس الإدارة وأعضائه فقط، دون أعضاء الإدارة التنفيذية العليا للشركة، والتي يكون دورها الرئيس تنفيذ خطط الشركة الاستراتيجية التي يعتمدها مجلس الإدارة، وإعداد التقارير الدورية المتعلقة بنشاط الشركة وعرضها على مجلس الإدارة. قيادة الشركة يضاف إلى ما سلف الإدارة اليومية للشركة بوصفها المحرك الأساسي لدفة قيادة الشركة، فوفقا لقانون الشركات الحالي، فإن الرئيس التنفيذي للشركة، والذي تناط به إدارة الشركة، يعينه مجلس الإدارة فور تشكيله من بين أعضاء المجلس الذين انتُخِبوا بالتصويت السري أو من غيرهم. فإذا كان الرئيس التنفيذي في الأصل عضوا منتخبا في مجلس الإدارة، سرى عليه مبدأ عدم منافسة الشركة. أما إذا لم يكن الشخص عضوا في مجلس الإدارة، وإنما اختير من خارج الشركة، فلا يسري المبدأ التزاما بنص المادة الجلي، إذ لا اجتهاد مع وضوح النص. ثم إن باقي أعضاء الإدارة التنفيذية العليا ليسوا أعضاء في مجلس الإدارة بحكم مناصبهم، وهم على سبيل المثال: نائب الرئيس التنفيذي، رئيس المخاطر، ورئيس التدقيق الداخلي، أي: إن جل الإدارة التنفيذية العليا ليسوا أعضاء في مجلس الإدارة بحكم مناصبهم، باستثناء الرئيس التنفيذي عندما يعين ممن انتخبوا لعضوية مجلس الإدارة. وليس ثمة مسوغ لاستثناء أعضاء الإدارة التنفيذية العليا في الشركة من الخضوع لتنظيم مبدأ عدم منافسة الشركة في القانون الكويتي، لأنهم الأقرب للإدارة اليومية للشركة من أعضاء مجلس الإدارة، فهم الذين يشرفون على تطبيق سياساتها، وهم الأكثر احتكاكا بعملياتها على نحو مباشر. وهذا ما قرره القضاء الأميركي في أكثر من دعوى من حيث عدُّه أعضاء الإدارة التنفيذية العليا يكنّون بواجب الولاء للشركة كباقي أعضاء مجلس الإدارة، ومن ثم فإنهم يلتزمون المفروض عليهم، ومن أهمِّه عدم منافسة الشركة في استغلال الفرص التجارية المنافسة، لأنهم يعلمون حتماً ما قد تشكله هذه الأفعال المنافسة من فرص تكون الأولوية فيها للشركة. وعلى مستوى دول الإقليم، ما زالت قوانين الشركات بها تقصر مبدأ عدم منافسة الشركة على رئيس وأعضاء مجلس الإدارة دون غيرهم، باستثناء المشرع القطري الذي انتبه لهذه الثغرة التنظيمية. فنقَّح المشرع بقطر في يوليو 2021 نص المادة 108 من قانون الشركات التجارية القطري الحالي رقم 11 لسنة 2015، وذلك بإضافة أعضاء الإدارة التنفيذية العليا جنبا إلى جنب مع أعضاء مجلس الإدارة في الشركة، بوصفهم ملتزمين الخضوع على حد سواء لما يتطلبه القانون من شروط لمبدأ عدم منافسة الشركة لاتحاد العلة بعد أن كان المنع مقتصرا على رئيس وأعضاء مجلس الإدارة فقط. لذلك، نهيب بالمشرع الكويتي تنقيح المادة 197 من قانون الشركات رقم 1 لسنة 2016 بمنع أعضاء الإدارة التنفيذية للشركات المساهمة المدرجة في بورصة الكويت من منافسة الشركة تحت أي ظرف دون موافقة الجمعية العامة العادية للشركة.
مشاركة :