تخشى الدوائر السياسية والشعبية في السودان، سقوط البلاد في دوامة «صراع الجنرالين»، الذي انفجر بعد «احتقان مكتوم» بين الرجلين، خاصة أن الصراعات العسكرية لا تنشأ من فراغ، بل تمر بمراحل مختلفة من التوتر والتصعيد، لتنفجر بعدها بشكل مفاجئ وغير متوقع. وهذا أول نزاع بين الطرفين منذ أن تحالفا من أجل الإطاحة بالرئيس السابق، عمر البشير، في 2019، ولكن الخلاف معروف بين البرهان قائد الجيش، وجميدتي قائد قوات الدعم السريع. بشأن الطريقة التي تحكم بها البلاد. بداية الخلافات ومؤشرات الصراع منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يدير مجلس السيادة في السودان الحكمَ في البلاد بواسطة قائدين عسكريين في قلب النزاع: عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد، من جهة، ونائبه قائد قوات «الدعم السريع» شبه العسكرية، محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، من جهة أخرى. واختلف الرجلان على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، ولكن وفقاً للجدول الزمني المتوافق عليه، فقد كان من المفترض الإعلان عن رئيس وزراء جديد ومناصب أخرى يوم الثلاثاء، 11 أبريل/ نيسان الجاري، إلا أن الموعد النهائي قد انقضى بعد أن فشل الطرفان في التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي تم الإعلان عنه في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي مرتين، بسبب الخلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش . وفي يوم السبت الماضي، نشرت قوات الدعم السريع عناصرها حول العاصمة، ورأى الجيش ذلك تهديداً صريحاً لتندلع بعدها المواجهات المسلحة بين الطرفين المستمرة منذ ذلك الحين واللافت غياب المكون المدني الذي قاد حركة الثورة والتصحيح في السودان ، وبمعنى ان المدنيين يختبئون بينما يقتتل الجنرالان من أجل السلطة في البلاد..والخصومات العسكرية تغرق الخرطوم في الفوضى. حرب «الخصومات العسكرية».. حرب مدن وشوارع حرب «الخصومات العسكرية» المشتعلة حاليا، هي الأخطر على السودان، وعلى سلامة أراضيه، ومجتمعه، وخطورتها أنها انطلقت في ساعة صفر واحدة في عدة مدن: الخرطوم، ومروي (شمال)، الفاشر ونيالا (غرب)، الأُبيِّض (وسط)، والقضارف وكسلا وبورتسودان (شرق)، وما زالت كرتها تتدحرج شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً، حسب الخبراء والاستراتيجيين، فهي أول حرب تنطلق من مركز القوة في العاصمة الخرطوم، ومدن شمالية أخرى كانت بعيدة عن نيران الحرب، بينما كانت الحروب الأخرى تنطلق من الأطراف..فهي حرب مدن وشوارع، وبالتالي فإن خسائرها بين المدنيين والممتلكات ستكون باهظة. تحذيرات: هذه الحرب ستمزق السودان الوضع في السودان خطير جدا، وكان متوقعا لأنه من المستحيل إصلاح مؤسسات تفتقر إلى أسس متينة، بحسب تقدير صحيفة «لا كروا» الفرنسية، والمرجح اليوم حسب مراقبين للوضع في السودان، هو دخول البلد في حالة من الفوضى من الصعب الخروج منها خلال الأشهر المقبلة..وبينما حذر الناطق الرسمي باسم العملية السياسية في السودان، خالد يوسف عمر، من أن هذه الحرب ستمزق السودان وستفقده وحدته وسيادته، حيث لن تصمد الدولة السودانية أمام ما وصفه بالعنف المتصاعد. وعبرت القوى الشعبية عن خشيتها من غرق بلادها في حرب العصابات في المناطق الحضرية، بعد أن تزايدت الدعوات لدعم هذا الجنرال أو ذاك على مواقع التواصل الاجتماعي. سيناريوهات متوقعة! الاقتتال في السودان، ينذر بما هو أسوأ، مما دفع خبراء عسكريون وخبراء في الشئون السياسية والاستراتيجية، من التحذير من مؤشرات سيناريوهات قائمة وفي دائرة الاحتمالات المتوقعة، تأخذ السودان إلى منزلاقات خطيرة. ويؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب، أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة: السيناريو الأول: انتصار الجيش السوداني والقضاء على قوات الدعم السريع، لتنتشر قوات الجيش في كافة المناطق والأحياء، وعودة الأمن القومي السوداني والحياة لطبيعتها ولكن بشكل جديد. السيناريو الثاني: وقف لإطلاق النار بعد تدخل الوساطات من الدول الشقيقة والصديقة وبالتالي تبدأ عملية التفاوض حول النقاط الأساسية بالإضافة إلى المحاكمات العسكرية انتهاءاً بدمج قوات الدعم السريع المتبقية مع قوات الجيش السوداني. السيناريو الثالث: وقف إطلاق النار وعودة الجميع للتسوية، ومن الممكن عدم وجود قوات الدعم السريع كطرف رئيسي في العملية التفاوضية، إضافة إلى دخول طرف آخر من القوى السياسية الأخرى مع تعديل المشروع السياسي، وذلك للذهاب لفترة انتقالية جديدة بشكل ديمقراطي وصولاً للانتخابات السودانية. أسوأ السيناريوهات المحتملة!! وهناك من يطرح سيناريو آخر، بأن الحرب ستطول، ولن تكون خاطفة، لأن كل طرف سيحاول حسم المعركة بالعاصمة، بحسب تقدير الباحثة المتخصصة في الشؤون الأفريقية بجريدة السودان، صباح موسى، ولو استحالت الأمور على «حميدتي» فإن سيناريو انسحابه إلى دارفور (معقل قوات الدعم السريع) أمر وارد، خصوصاً إذا حُوصر من قبل الجيش، وحتى لو انسحب إلى دارفور فإنه لن يجد الدعم الكافي بالنظر إلى إعلان العديدَ من أبناء عمومته والقبائل العربية دعمَها للجيش السوداني، وبالتالي فإن مصلحة حميدتي في المعركة هي إنهاؤها بالخرطوم، ولكن من الصعب حدوث ذلك بسبب تخبط قواته بالعاصمة. وسيناريو خامس، يرى أن حرب «الخصومات العسكرية»، سوف تفتح المجال لخروج مناطق، وربما إقليم، من سيطرة الوطن في حالة توسعها، بحسب المحلل السياسي السوداني البارز، الجميل الفاضل، بل ويعدها قدراً مقدوراً، ربما يكون فيها خير إذا طال مداها وزمنها، فهي «إنهاك للطرفين، وهزيمة في خاتمة المطاف للسلاح في مجال السياسة. ويرى الفاضل أن التكوين الإثني والقبلي داخل القوى المتحاربة يجعل احتمالات توسعها إقليمياً أكبر، وأن هزيمة أحد الطرفين تجعل الإقليم الذي ينتمي إليه الطرف المهزوم منعزلاً، ومرشحاً للانفصال على أرض الواقع، دون الحاجة إلى استفتاءات لتقرير المصير. وسيناريوهات أخرى أسوأ تتمثل في وجود عدد من جيوش المجموعات المسلحة، التي كانت تقاتل نظام البشير السابق، ويزيد عددها عن 8 جيوش موجودة حالياً داخل الخرطوم، تنتظر ترجح كفة على أخرى للاصطفاف..وهناك جيوش جهوية أخرى تشكلت أخيراً، مثل درع الشمال وأبو عاقلة كيكل، والصوارمة خالد سعد، وهذه قد تدخل أيضاً دائرة الصراع، فتصير الخرطوم مثل بيروت زمن الحرب الأهلية، كل جيش يتمركز داخل حي أو منطقة، يتحكم في مصيرها ويمنع دخول الآخرين لها. المخاوف قائمة من تحول الحرب إلى حرب عنصرية وقبلية تصعب السيطرة عليها، في ظل طبيعة السودان وتوترات المناخ الراهن !!
مشاركة :