مهن النساء المجهدة والصعبة والمربحة سابقا، أصبحت الآن شبه مندثرة، مثل مهنتي «غزل الصوف» وصناعة «السدو»، وغيرها من الحرف اليدوية التي ما زال كبار السن يحتفظون بطريقة صنعها، ويجري إحياؤها مع كل انطلاقة لأي مناسبات تراثية، وتاريخية تنطلق في السعودية، لإعادة تعريف الماضي القديم، إلا أن من يُجدن تلك الحرف اليدوية، بدأت أعدادهن تتناقص، ففي مهرجان «الجنادرية 30»، يشاهد الزوار أن عدد النساء صاحبات الحرف التقليدية، قليل جدًا مقارنة بأصحاب الحرف اليدوية التي يعمل عليها الرجال. السيدة عذا مخلد، إحدى السيدات اللاتي امتهنّ مهنة «غزل الصوف»، تلك الحرفة التي اكتسبتها من والدتها وجدتها، وهي تعمل الآن على تعليم بناتها تلك الحرفة اليدوية، حيث تفخر السيدة عذا عند سؤال الجمهور عن حرفتها، وكيف تجيد صناعتها بسرعة، ودقة عالية، لا سيما وهي تعمل على «غزل الصوف»، تعرض منتجاتها من خلفها، ذات الألوان المختلفة، والتصاميم اللافتة. وقالت السيدة عذا مخلد: «إن المهرجانات التراثية، خصوصا مهرجان الجنادرية، تعيد ذكرياتها القديمة، حينما كانت في الماضي تعمل على غزل الصوف، من أجل استخدامها كأمتعة لهم، بينما اليوم تعمل على عرضها بعد ظهور التقنيات الحديثة، حيث إن جلوسها مع نساء في عمرها، من مختلف مناطق السعودية، داخل قرية تراثية، خلال فترة زمنية محدود، تعيد لها الماضي القديم». وتعتمد صناعة «غزل الصوف»، على مادة الصوف المتوافرة في القـرى والأرياف، وتقوم مراحلها بتحضير الصوف، ويغزل بواسطة المغزل اليدوي، بعد نفش الصوف وتهيئته، ثم تقوم الغازلة بطريق سحب الصـوف بشكل خيوط لتصنع منه كرات لولبية الشـكل ومختلفة الألوان. وفي زاوية مختلفة داخل القرية التراثية في الجنادرية، تعمل أم عبد الله، على صناعة حرفة «السدو»، وهي عملية قد تبدو صعبة وشاقة، وتحتاج منها بضعة أسابيع، لما فيها من التعب والجهد الكثير لمن أتقن هذه الحرفة، حتى تنتج قطعة واحدة فقط، حيث لم يكن هناك إقبال خلال الفترة الحالية على تلك الصناعة، الأمر الذي أدى بأم عبد الله إلى محاولة إيجاد حرفة يدوية أخرى، لنقل التراث القديم إلى الحاضر، حتى تبحث عن سعادة الجمهور الزائر، من أجل الإشادة بحرفتها. ويعد السَدو نوعًا من البُسُط أو السَجاد من أثاث المنزل، يوضع في غرف الاستقبال، أو الضيافة، أو لتزيين غرف النوم، وهو يصنَع من خيوط الصوف أو القطن، ويتميز بأشكال هندسية وزخارف جمالية، تُنفّذ يدويًّا باستخدام آلة النَوْل، حيث تُركَب الخيوط عليها وتُنسج بها، لنحصل في النهاية على الشكل والزخارف المطلوبة. وتعتمد صناعة «السدو»، على جهد المرأة في المقام الأول، وتعبر من خلالها عن تقاليد فنية عريقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، حيث تتفنن المرأة البدوية في زخرفة ونقش «السدو» بنقوش كثيفة، هي عبارة عن رموز ومعان مختلفة يدركها أهل البدو ويعرفون ما تحمله من قيم، ويتميز «السدو» بألوانه الزاهية المتنوعة وزخارفه الجميلة التي تحمل دلالات اجتماعية مختلفة مستوحاة من طبيعة أبناء البادية، ولم تندثر هذه الحرفة في دول الخليج، خلافًا لحرف أخرى كثيرة لم تعد موجودة بفعل تبدل احتياجات الناس في حقبة ما بعد النفط.
مشاركة :