من الضروري أيضا توفير المساندة لبناء أنظمة قوية وقادرة على التكيف في مجالات الصحة العامة والتعليم والحماية الاجتماعية للتخفيف من آثار الأزمات في المستقبل. وأظهرت الأعوام الثلاثة الماضية أهمية توسيع نطاق أنشطة التأهب لمواجهة الأزمات وتحسين توقيتات الاستجابة. من جانبها، قدمت مجموعة البنك الدولي حزمة تمويل متكاملة بقيمة 170 مليار دولار للأشهر الـ15 التي ستنتهي في حزيران (يونيو) 2023 لمساعدة الدول على معالجة آثار الأزمات المتعددة والمتداخلة. ومن الأمور بالغة الأهمية أن هذه الحزمة شملت المساندة الموجهة لتدعيم أنظمة الحماية الاجتماعية والأمن الغذائي والتغذوي في الدول الأكثر تعرضا للمخاطر حول العالم. ومنذ شباط (فبراير) 2022، عمل البنك الدولي على تعبئة مساندة مالية زادت على 23 مليار دولار لأوكرانيا. وتلعب الأموال الموجهة أيضا دورا حاسما في التخفيف من حدة الكوارث في المستقبل. فعلى سبيل المثال، سيساعد صندوق الوقاية من الجوائح الجديد التابع للبنك الدولي الدول منخفضة ومتوسطة الدخل على تعزيز قدراتها في المجالات الأساسية للوقاية من الجوائح، مثل رصد الأمراض ومراقبة انتشارها، وتطوير المختبرات، والقوى العاملة في مجال الصحة العامة، ومشاركة المجتمعات المحلية، فضلا عن الاتصالات والتنسيق والإدارة في حالات الطوارئ. وتؤدي التحديات ذات الطبيعة العابرة للحدود أو العالمية، ولا سيما تغير المناخ، إلى إحداث أكبر التحولات في سياسات التنمية. وإلى جانب زيادة الموارد، فإن تحقيق التقدم يتطلب تعزيز ثقافة تبادل المعارف، حتى تتمكن الدول من التعلم بسرعة من بعضها بعضا، واتخاذ قرارات أفضل في ظل ما يشهده العالم من حالة شديدة من عدم اليقين. ومن الضروري أيضا الدقة في تخطيط المشاريع لضمان تعزيزها لقدرة الدول على الصمود على المدى الطويل، وأن تكون تلك المشاريع قابلة للتوسع من خلال استثمارات القطاع الخاص. وقد يبدو التصدي للاحترار العالمي أمرا شاقا، لكن التقرير الأخير الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يبعث ببعض الأمل. ويشير التقرير إلى أن عديدا من تكنولوجيات التخفيف من آثار تغير المناخ، ولا سيما تلك التي تركز على تحسين مستوى استخدام الأراضي والطاقة المتجددة، أصبحت فاعلة من حيث التكلفة في الأعوام الأخيرة. وعلاوة على ذلك، أدت السياسات الرامية إلى تسريع وتيرة الاستفادة من هذه التكنولوجيات، والحد من إزالة الغابات، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، إلى انخفاض كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في بعض القطاعات. ويمكن أن يكون هذا التقدم بمنزلة النعمة للدول النامية إذا ما اقترن بمساندة دولية. وقبل كل شيء، تتطلب التحديات الجديدة زيادة التعاون فيما بين الدول من ناحية، وزيادة الالتزام من جانب المجتمع الدولي من ناحية أخرى. وهناك أمل أيضا فيما يتعلق بهذا الأمر، حيث شهد العالم أخيرا جائحة مميتة كان يمكن أن تكون أكثر فتكا لولا التعاون بين الدول وتجاوز الحدود. ويدا بيد استطعنا إنتاج وتوزيع لقاحات فاعلة بسرعة قياسية. ومع عدم ظهور أي علامات على انحسار الصدمات العالمية، ومع تحمل الاقتصادات النامية لعبء تأثيرها، يجب أن يصبح هذا النوع من الالتزام المشترك والعمل الموحد هو الوضع الطبيعي الجديد.
مشاركة :