الدولار .. تقلبات أم نهاية هيمنة؟

  • 4/28/2023
  • 19:29
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

النقاشات السائدة هذه الأيام لمحاولة معرفة مسببات ارتفاع الذهب تتنوع في تفسيراتها من تلك التي تجزم أن ذلك دليل على "أفول شمس" الدولار ونهاية الهيمنة المالية للولايات المتحدة، إلى أخرى ترجع ذلك إلى التقلبات المعروفة في أسعار الذهب تماشيا مع الدورات الاقتصادية وأحوال التضخم من فترة إلى أخرى. جملة من الحقائق تدعم هذا الرأي أو ذاك، أولها أن اللجوء إلى الذهب من قبل جميع المستثمرين والبنوك المركزية عادة يقابله تراجع في قوة الدولار، وهذه العلاقة العكسية لا خلاف عليها، لكن ذلك لا يجيب عن السؤال بشكل كاف، بل يمكن صياغة السؤال بشكل معاكس عن أسباب هبوط الدولار، لكون ذلك يفسر إلى حد كبير أسباب ارتفاع الذهب. بلغ الدولار قمته السعرية قرب 115 نقطة في أواخر أيلول (سبتمبر) 2022، ومنذ ذلك الوقت والدولار يواصل النزول إلى مستويات 101 نقطة حاليا، منخفضا نحو 12 في المائة، وخلال الفترة ذاتها نجد الذهب في ارتفاع متواصل بلغ نحو 24 في المائة حتى الآن، وهذه العلاقة العكسية بين الذهب والدولار هي الحالة الطبيعية والمتوقعة. انخفضت نسبة الاعتماد على الدولار الأمريكي في احتياطيات البنوك المركزية إلى ما دون 60 في المائة، وذلك لأول مرة منذ أكثر من 25 عاما، وأقرب المنافسين على هذه المكانة النقدية هو اليورو بنسبة 20 في المائة، ومن ثم بفارق شاسع يأتي الين الياباني والجنيه الاسترليني بحدود 5 في المائة، وبفارق كبير يأتي اليوان الصيني بنسبة 2.6 في المائة من الاحتياطيات الرسمية للبنوك المركزية. ارتفاع سعر الذهب يشير إلى تراجع الإقبال على السندات الآمنة التي كانت العام الماضي تمنح عوائد قوية منافسة تتجاوز 5 في المائة في بعض السندات، ما جعل كثيرا من المستثمرين يتجه إلى السندات الأمريكية بدلا من الذهب وغيرها من الأصول عالية المخاطر. التوجه إلى السندات يرفع من حجم الطلب على الدولار، لكون معظم هذه السندات مقومة بالدولار، وبالتالي رأينا ارتفاع الدولار مع تراجع الذهب إلى نهاية سبتمبر الماضي. أحد مسببات ارتفاع الذهب قد نجدها في الأحداث الأخيرة فيما يخص تراجع وتيرة رفع معدلات الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي، إلى جانب تنامي مشاعر الخوف تجاه احتمالية عدم قدرة الحكومة الأمريكية على مواصلة الاقتراض بسبب تحجيم الدين الأمريكي من قبل الكونجرس، حيث إن مثل هذه التطورات تضعف من قوة الدولار، وتجعل المستثمرين يلجأون إلى ملاذات آمنة بعيدا عن الدولار. وعلى الرغم من ظهور بوادر مشجعة للسيطرة على نسبة تضخم الأسعار التي انخفضت على أساس سنوي الشهر الماضي إلى 5 في المائة، التي عادة ليست في مصلحة الذهب، لكون الطلب على الذهب يرتفع في حال وجود تضخم في الأسعار، إلا أن نسبة 5 في المائة كتضخم في الولايات المتحدة لا تزال تعد كبيرة مقارنة بنسب التضخم التاريخية. من جهة أخرى، ربما استمرار ارتفاع سعر الذهب في هذه الظروف يدل على أن هناك من يتوقع عدم القدرة على السيطرة على التضخم، وبالتالي يتوجب الاتجاه إلى الذهب كوسيلة دفاعية ضد التضخم. لا شك أن التطورات الكبيرة خلال العام الماضي من اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، إضافة إلى بقايا التأثيرات السلبية لفيروس كورونا، ووضع الاقتصاد العالمي وتحديات الاقتصاد الأمريكي، وغيرها قد أحدثت تغيرات معتبرة في أسعار الأصول كالذهب والأسهم والسندات، وكذلك سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى. كذلك لا ننسى أن هناك تناميا ملحوظا للمشاعر السلبية ضد الهيمنة المالية والنقدية للولايات المتحدة التي يرى البعض أنها تستخدم من قبل الولايات المتحدة في فرض العقوبات المالية والسيطرة على الدول الأخرى، فأصبحت القوة المالية سلاحا سياسيا يستخدم في معالجة القضايا السياسية. لذا هناك تزايد ملحوظ في احتمالية تراجع قوة الدولار كعملة احتياطيات من جهة، وتراجع في الاعتماد عليه كعملة رسمية للتبادل التجاري بين الدول. وبالفعل ظهرت مؤشرات عديدة لتحالفات مؤثرة بين دول كبرى لقصر تعاملاتها التجارية على عملات أخرى غير الدولار الأمريكي. هناك من يرى "أفول شمس" الدولار لا محالة، والتساؤل سيستمر عن البديل هل هو الذهب أو عملة أخرى أو عدة عملات في آن واحد، أو أن البديل سيكون عملة رقمية مركزية جديدة أو إحدى العملات الرقمية المشفرة القائمة؟

مشاركة :