تشو شيوان ** تصاعد خلال الفترة الماضية الكثير من الأنباء والأخبار والتحليلات عن بداية النهاية لهيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، وأتفقُ مع الجميع على أن النهاية لم تأتِ بعد، وأننا ما زلنا أمام سنوات لنجد سقوط الدولار الأمريكي كمهيمنٍ، لكن بما أن البداية قد بدأت؛ فالسقوط أتٍ، خصوصًا وأن هناك تخوفًا عالميًا من الاستمرار في الارتباط بالدولار بشكل مفرط، ولعل أبرز هذه المخاوف جاءت بعد سلسلة من الأسباب، سوف أحاول استعراضها واستعراض كيف هي شكل البداية لسقوط هيمنة الدولار ضمن هذا الطرح. من أهم الأسباب التي جعلت العالم متخوفًا من الدولار، السياسات التي اتخذها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) خلال الشهور الماضية، واتباع سياسته النقدية لرفع أسعار الفائدة؛ مما تسبب في اضطرابات في السوق المالية الدولية، وتسبب أيضًا في زيادة معاناة البلدان النامية من تضخمٍ حادٍ ومواجهة انخفاض قيمة العملة وتدفقات رأس المال إلى الخارج، إضافة إلى إرباك السوق المالي والبنكي في الكثير من الدول مما تسبب في أزمات للمواطنين والمستثمرين حتى في الدول الغنية. السبب الثاني للتخوف العالمي من الدولار يكمُن في قضية أجدها مهمة كثيرًا ألا وهي اتباع الولايات المتحدة الأمريكية السياسة ذاتها في استخدام الدولار والأنظمة المالية الأمريكية كسلاح تضرب به أي دولة، وذلك من خلال فرض العقوبات الدولية. هذه النقطة جعلت الكثير من الدول تبحق عن حلول لنزع هيمنة الدولار، طالما هو سلاح بيد الولايات المتحدة تستخدمه بما يتنافى مع مبادئ التجارة الحرة والتجارة الدولية. ولعل الأزمة الأوكرانية، وبعد أن أطلقت بعض الدول بقيادة الولايات المتحدة عدة جولات من العقوبات المالية ضد روسيا، وتجميد نصف احتياطي روسيا من النقد الأجنبي الإجمالي (حوالي 300 مليار دولار) وإخراج البنوك الروسية الكبرى من نظام تسوية SWIFT، مما تسبب في حالة من الذعر في العديد من البلدان وهي ما أشعلت فتيل موجة "نزع الدولار" العالمية التي نشاهدها حاليًا. إن بداية إنهاء هيمنة الدولار لن تأتي بيوم وليلة؛ بل تحتاج لسلسلة طويلة من الأعمال التي تقوم بها الدول لحماية مصالحها المالية والسياسية لمواجهة أي تهديد من قبل الولايات المتحدة، وسوف أحاول أن استعرض معكم بعض من هذه البدايات؛ خلال الفترة الماضية توصلت كلًا من الصين والبرازيل إلى اتفاق يقضي بإمكانية تسوية التجارة الثنائية المستقبلية بين البلدين باليوان أو الريال البرازيلي، بدلًا من استخدام الدولار الأمريكي كعملة وسيطة، وقد وكالة "ترويج التجارة والاستثمار" البرازيلية في بيان إنها تتوقع أن يؤدي ذلك إلى خفض التكاليف وتسهيل المزيد من التجارة الثنائية والاستثمار. وعلى جانب آخر، ذكر البنك المركزي العراقي في 22 فبراير هذا العام، إن العراق تخطط للسماح بتسوية الواردات من الصين باليوان، كما أعلنت المملكة العربية السعودية في منتدى دافوس الاقتصادي في يناير من هذا العام، أنها مفتوحة لتسوية التجارة بغير الدولار الأمريكي، وقد أشار بعض المحللين بأن السعودية تفكر في إدراج اليوان الصيني كعملة تسوية لبيع البترول، وهذا الأمر سيؤثر كثيرًا على هيمنة الدولار عالميًا. بعيدًا عن الصين وبحسب تقرير نشره موقع "ذا إنديان" الهندي، أصدرت وزارة الخارجية الهندية بيانًا قبل أيام، ذكرت فيه إن الهند وماليزيا اتفقتا على استخدام الروبية الهندية في التسويات التجارية، وأيضًا في يناير 2022 وقعت تركيا والبنك المركزي الإماراتي اتفاقية مقايضة عملات بقيمة 64 مليار ليرة و18 مليار درهم لتعزيز التجارة الثنائية بعملاتهما، وكل هذه المتغيرات قد تضع هيمنة الدولار عالميًا في مأزق حقيقي خصوصًا وأن السياسات العالمية تجاه الدولار تتحول وتتبدل من يوم ليوم. الجميع يبحث عن بديل للدولار؛ فالبعض يقول إن العالم في المستقبل سيقوم بتنويع عملاته ولن يعتمد على الدولار فقط، والبعض يقول إن العالم بدأ يجد في العملات الرقمية ملاذًا للابتعاد عن مركزية الدولار، وهذا ما صرح به بنك جولدمان ساكس في تقرير بحثي للعملاء، قائلًا إن صعود العملات الرقمية المشفرة دفع البنوك المركزية العالمية لمحاولة استخدام العملات الرقمية لتحقيق لامركزية الدولار. في رأيي أن هيمنة الدولار لن تستمر طويلًا؛ فالسياسات الأمريكية تجدها الكثير من الدول ظالمة ومُجحفة بحقوقهم وحقوق شعوبهم خصوصًا وأن الدولار لم يعد عملة عالمية؛ بل سلاح عالمي بيد الولايات المتحدة، لهذا بدأت موجهات نزع الدولار تتفشى في العالم وهذا ما أجده منطقيًا وعادلًا؛ فالعالم بأجمع لن يكون رهن العقوبات الأمريكية التي لا ترى في مصلحة العالم، إلّا ما يتجانس مع مصالحها ومصالح حلفائها، ولهذا هيمنة الدولار ستتعرض للكثير من الضغوطات غير المسبوقة في قادم الأيام. ** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
مشاركة :