وكأن قدر السودان صراع بعد صراع عبر تاريخه المعاصر. فمنذ حربه الأهلية الأولى، التي اندلعت بعد استقلاله بفترة وجيزة، واستمرت 17 عاما، منذ أعوام 1955 إلى 1972، إلى حربه الأهلية الثانية، التي تفاقمت على مدار 22 عاما، منذ 1983 إلى 2005، وإلى يومنا هذا، لم يهدأ الانقسام والتناحر والاقتتال في هذا البلد. السودان دولة غنية بمواردها، مائية أو زراعية أو معدنية أو نفطية، وهو الأمر، وإن كان منطلقا منطقيا لازدهار ورفاه وخير شعبه، إلا أنه سبب الشقاق والشقاء والموت الذي حصد الملايين من أبناء وبنات الشعب السوداني عبر سنوات طويلة. اليوم تطل علينا بوادر حرب وخراب ودمار ستضاف مستقبلا إلى سنوات المعاناة المريرة لشعب السودان، أطرافها قوات الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية، بقيادة الفريق محمد دقلو حميدتي، وهما وإن كانا صديقي الأمس، إلا أنهما قد أضحيا عدوّي اليوم يقاتلان بعضهما بعضا بغية السيطرة على البلاد. الأهم فيما يدور، أن إطالة أمد النزاع لن تجر إلا المزيد من المعاناة القاسية لشعب عانى الكثير خلال حياته، وعليه، فعلى الجامعة العربية التحرك بسرعة وعقد قمة عربية طارئة يكون هدفها جمع الأطراف المتصارعة ومحاولة الوصول إلى اتفاق سلام ملزم يحظى بدعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وفق خريطة طريق وسقف زمني محدد. لا يجوز أن يكون الحديث المسيطر على المجتمع العربي والدولي عمليات إجلاء الرعايا العرب والأجانب فقط. هذا مهم، لكن الأهم عدم ترك الأمور تتطور عسكريا، وما يتبعه من تفاقم للأزمات الإنسانية، خصوصا مع أنباء تمدد النزاع إلى إقليم دارفور المضطرب أصلا غرب البلاد. على المجتمع العربي أولا، ومن باب العروبة، وعلى المجتمع الدولي ثانيا، ومن باب الإنسانية، مد يد العون الفوري من خلال جهود دبلوماسية مكثفة لجمع أطراف النزاع بغية الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار، ومن ثم إلى اتفاقات تعيد السودان إلى الطريق الصحيح. المجتمع الدولي لديه مصالح ملموسة أيضا في إنهاء الصراع بسرعة. ومنها مثلا ضمان عدم تعثر وتعطل إمدادات الصمغ العربي، التي يأتي نحو 70 % من إمدادات العالم منها من أشجار الأكاسيا في منطقة الساحل التي تضم السودان، وهو مدخل أساسي في صناعات المشروبات الغازية والحلوى ومستحضرات التجميل. هذا مثال بسيط فقط على تداعيات الصراع الدائر في السودان. الحل ممكن، ويجب أن يتولد قبل كل شيء من حرص الأطراف الداخلية على مصلحة وطنهم الذي عانى الكثير، وعدم انزلاق الوضع إلى حرب أهلية ثالثة. وليتذكروا جميعا قول أحد أشهر أدباء العرب والسودان، الصحفي الطيب صالح، صاحب الرواية الخالدة (موسم الهجرة إلى الشمال)، رحمه الله: “أي وطن رائع يمكن أن يكون هذا الوطن لو صدق العزم، وطابت النفوس، وقل الكلام، وزاد العمل”. وفي ذلك خلاصة القول والغاية إن صلحت النوايا وصلح الفعل من بعدها. “وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ”. (الغد)
مشاركة :