شهدت الليلة الرابعة من ليالي مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي الأول تقديم مسرحية كنبال لفرقة (كنفاس) الجزائرية، وهي من إعداد سفيان عطية عن مسرحية (أكلة لحوم البشر) لممدوح عدوان، وإخراج هشام شكيب، وذلك مساء أمس الأول على مسرح المركز الثقافي في دبا الحصن. تبدأ المسرحية برجلين، أحدهما جالس على أرجوحة في بقعة ضوئية دائرية كأنه معزول عن الكون، والثاني جالس على مقعد وبيده غيتارة يعزف عليها، وهو أيضاً يجلس في بقعة ضوئية دائرية، ويبدو الرجل الأول مشوشاً يحس بالخوف، ويتحدث للرجل الثاني عن أنه مراقب من قبل المجتمع، ويضرب لذلك مثلاً بالشركة التي يعمل بها وتصنع المورتدلا، فقد اكتشف أن أحد العاملين فيها سقط بين آلات صناعة المورتدلا، وتشبث بزميله، لكن الآلات جرفته وجرفت معه زميله وطحنتهما وخلطتهما مع العجينة، ليذهبا إلى العبوات، ويصبحا جاهزين للأكل، دون أن يعلم أحد ذلك شيئاً، وقد احتج الرجل على ذلك وأدان الشركة، فأصبح أصحابها يراقبونه كما يتوهم، ويصرح بأن كل إنسان وكل شيء في الكون مراقب. ثم ينتقل الرجل بالحديث إلى حياته الخاصة، وعلاقته بأخيه وزوجة أخيه التي يظن أنها تمتص دم أخيه وتريد أن تقضي عليه، ويأخذ في حديث طويل عن المرأة، وكيف أنها مصاصة دماء الرجال، لا تخطط إلا لإغوائهم وجلبهم إلى الموت، ويتقمص الرجل الثاني أدوار بعض الشخصيات التي يتحدث عنها الرجل الأول، فهو تارة يمثل أصحاب الشركة التي اكتشف الرجل جرائمها، وتارة يمثل دور أخيه، كما أنه يتولى طرح الأسئلة أو الإجابة بعض استفسارات الرجل الأول، وهو في ذات الوقت يعزف الوصلات الموسيقية التي تفصل بين بعض المشاهد، وتعبر عن العوالم النفسية للشخصية الرئيسية. كان عرض كنبال احترافياً من ناحية التمثيل، فقد برع الممثل سفيان عطية في أداء دور الرجل الواهم الذي يظن العالم يترصده، وهو دور مركب تنتقل فيه الشخصية بين حالات الخوف والتوهم، والترقب والتوتر، والتحدي والجد، والسخرية والهزل، ويحتاج كل ذلك إلى قدرات هائلة لكي يتجسد على الخشبة، وقد استطاع عطيه يقوم بذلك، وكانت الاستعانة بمساحات الصمت ذكية، في إعطاء الشخصية نفسا وفرصة لكي تخرج من طور نفسي إلى آخر، كما شكلت الأغنيات الجزائرية التي غناها الممثلان داعما للأجواء النفسية للمشاهد، ولعبت الإضاءة أيضاً دوراً مهما في إبراز دلالة المواقف المختلفة، فكان يضع الشخصيتين في بقعتين ضوئيتين منعزلتين لإعطاء بعد الانعزال النفسي والتوقع الفرداني في المجتمع دلالة أعمق. من الناحية الدرامية فإن عرض كنبال جاء عن نص أكلة لحوم البشر وهو نص مونودرامي أعد ليمثله ممثل واحد فقط، ويبدو أن هذا التصرف لم يف بالغرض المطلوب، فالشخصية الثانية لم يكن لها دور حقيقي، وبدت كأنها صدى باهتٍ للشخصية الأولى، كما أن وجودها حال دون التدفق النفسي والتداعي الحر الذي تقوم عليه المونودراما، والذي يبرر تلك النقلات النفسية المفاجئة والمتعارضة المتناقضة إلى أبعد الحدود، فطبيعة المونودراما تقوم على التوتر النفسي والحوار الداخلي الذي يتدفق على شكل هذيان لشخصية مأزومة ومهزوزة، أدى ذلك إلى خلل في البناء الدرامي، فبدا الجزء الأول المتعلق بوهم الرجل بأنه مراقب منفصل تماماً عن الجزء الثاني من العرض المتعلق بحياته وانطباعاته عن المرأة وعلاقتها بالرجل.
مشاركة :