يواصل المسؤولون اللبنانيون استهدافهم للاجئين السوريين على خلفية تفاقم الأزمة الاقتصادية والمأزق السياسي الذي يعانون منه. وسبّب تصعيدهم حالة من الذعر بين السوريين الموجودين في البلاد. وشهدت الأسابيع الأخيرة، حسب شهادات لاجئين والمنظمات الإنسانية، مداهمة الجيش لمخيمات اللاجئين وإقامته لنقاط تفتيش يهدف من خلالها إلى التدقيق في وثائق المواطنين غير اللبنانيين، واعتقال السوريين الذين لا يتمتعون بإقامة قانونية وترحيلهم. وقالت امرأة من محافظة إدلب السورية، كانت تعيش في سهل البقاع الشرقي في لبنان، “لا ينام الناس في منازلهم (…) ويخشون حتى الذهاب إلى العمل”. وشمل الترحيل في 10 أبريل زوجها مع 28 رجلا آخرين بعد مداهمة مبنى سكني في ضاحية بيروت. وأكدت أنها لم تسمع أي أخبار عنه منذ ذلك الحين. وأدلت المرأة بإفادتها شريطة عدم الكشف عن هويتها خوفا من الانتقام، مثل السوريين الآخرين الذين قابلناهم في إطار عملنا على هذه المقالة. وقالت إن ابنها البالغ من العمر 4 سنوات يسأل عن مكان والده كل يوم. وتخشى أن يكون زوجها في أحد مراكز الاعتقال السورية لأنه كان مطلوبا لتهربه من الخدمة العسكرية الإلزامية مثل كثير من الرجال الذين فروا إلى لبنان. وتضاعف الضغط بطرق أخرى. حيث فرضت البلديات تدابير تقييدية مثل حظر التجول على السوريين. وأعلنت وزارة الداخلية يوم الثلاثاء أنها أمرت البلديات بتسجيل سكانها السوريين والتأكد من قانونية إقامتهم قبل السماح لهم باستئجار العقارات. كما طالبت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بإلغاء وضع اللاجئ عن السوريين الذين يتنقلون بين لبنان وبلدهم الذي يعاني من الحرب. وطالبت لجنة وزارية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خلال الأسبوع الماضي بتسليم معلومات شخصية مفصلة عن اللاجئين في قاعدة بياناتها. يُذكر أن لبنان يستضيف حوالي 805 آلاف لاجئ سوري مسجّلين يحميهم وضعهم الرسمي نظريا، لكن أولئك الذين لا يحدّثون أوراق إقامتهم يواجهون خطر الترحيل. ويُعتقد أن العدد الفعلي للسوريين الذين يعيشون في لبنان بعد فرارهم من الحرب الأهلية المستمرة منذ 12 عاما في بلادهم هو في الحقيقة أعلى بكثير، حيث أمرت الحكومة اللبنانية الأمم المتحدة بوقف التسجيلات الجديدة في 2015. وقدّم المسؤولون الحكوميون تقديرات متباينة لعدد السوريين في البلاد، وكانت تتراوح بين 1.5 مليون وقد تتجاوز 2 مليون. ويُعتقد في المقابل أن عدد سكان لبنان يتراوح بين 5 ملايين و5.5 مليون مواطن. ولم يُنظّم أي إحصاء سكاني منذ ما يقرب من قرن. ودعا المسؤولون بشكل متزايد إلى عودة جماعية للسوريين منذ بداية الانهيار الاقتصادي في لبنان سنة 2019. فهم يرون في الفارين من الحرب عبئا على موارد البلاد الشحيحة بينما أصبح جزء كبير من وطنهم الأم الآن آمنا. وتصاعدت لهجة الخطاب، إذ أعلن اتحاد نقابات عمالية مؤخرا عن “حملة وطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري”. وذكر وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة هكتور حجار في المقابلات الأخيرة التي جمعته بوسائل الإعلام المحلية أن اللاجئين يشكلون 40 في المئة من سكان لبنان، وهو ما “لن تقبله أي دولة في العالم”. وقال حجار لوكالة أسوشيتد برس إن الحكومة اللبنانية يمكنها ضمان عدم ترحيل السوريين المصنّفين لاجئين من خلال تبادل البيانات مع وكالة الأمم المتحدة. وأحال الأسئلة المتعلقة بالترحيلات إلى جهاز الأمن العام المسؤول عن إنفاذ قوانين الهجرة. ولم يرد المتحدثون باسم الوكالة والجيش اللبناني على طلبات التعليق ولم يصدر أي منهما بيانا علنيا بشأن عمليات الترحيل. وقالت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إنها لاحظت زيادة في عمليات التفتيش التي تستهدف التجمعات السورية وتلقت تقارير عن ترحيل سوريين، بما في ذلك اللاجئين المسجلين. وقالت إنها “تأخذ تقارير ترحيل اللاجئين السوريين على محمل الجد”. ولم يذكر مسؤولو الأمم المتحدة عدد عمليات الترحيل المؤكدة. وقال مركز وصول لحقوق الإنسان الذي يتتبع أوضاع اللاجئين السوريين إنه وثّق ما لا يقل عن 200 عملية ترحيل في أبريل. وأعربت الولايات المتحدة، التي تعدّ من أكبر الجهات المانحة للجيش اللبناني، عن مخاوفها بشأن عمليات الترحيل وتحدثت إلى مسؤولين لبنانيين، حسب متحدث من السفارة الأميركية في بيروت تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته. وقال المتحدث إن عودة اللاجئين يجب أن تكون “طوعية وآمنة وكريمة. تراودنا أسئلة حول الإجراءات المتبعة في عمليات الترحيل الأخيرة ومدى استيفاء هذه المعايير”. وتبعت الحملة المناهضة للاجئين المفاوضات المتوقفة مع صندوق النقد الدولي والمأزق الذي دام ستة أشهر في انتخاب الرئيس اللبناني المقبل. واتجهت عدة دول عربية أثناء ذلك نحو التقارب مع الرئيس السوري بشار الأسد. وكانت عودة اللاجئين على جدول أعمال المحادثات الإقليمية الأخيرة، بما في ذلك خلال اجتماع كبار الدبلوماسيين في الأردن يوم الاثنين الهادف إلى مناقشة حل سياسي للحرب الأهلية في سوريا. وقال الزميل الأقدم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهند حاج علي إن اللاجئين هم كبش فداء السياسيين اللبنانيين في وقت تصاعد الغضب الشعبي الناتج عن فشلهم في التعامل مع أزمات البلاد الاقتصادية والسياسية. وذكر أن اللاجئين يعتبرون “نوعا من كيس الملاكمة الذي يظهر عندما يحتاج الجميع إلى واحد”. وأشار إلى أن الحملة يمكن أن تكون مرتبطة بالمأزق الرئاسي المستمر في لبنان أيضا. ويعدّ المرشح الرئاسي البارز سليمان فرنجية مقربا من دمشق ووعد باستخدام علاقاته للتوسط في صفقة لعودة اللاجئين. وقال حاج علي إن خصمه المحتمل قائد الجيش الجنرال جوزيف عون قد “يحاول إظهار قدرته على إعادة اللاجئين قسرا”. ورحّلت السلطات اللبنانية سوريين بشكل دوري على مدى السنوات القليلة الماضية، معتمدة قانونا يمكّن من إخراج الذين دخلوا دون تصريح قانوني بعد أبريل 2019. لكن أغلب عمليات الترحيل السابقة شملت أعدادا صغيرة وكان تنفيذها بموجب إجراءات رسمية، مما منح الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان فرصة للتدخل وحتى وقفها في بعض الحالات. وشهدت الأشهر الأخيرة في المقابل تقارير متزايدة عن ترحيل الجيش اللبناني العاجل لمن يعتقد أنهم موجودون في البلاد بشكل غير قانوني. وأشارت منظمات حقوقية إلى حالات إعادة لاجئين أصبحوا محتجزين وضحايا تعذيب في سوريا، وهي مزاعم نفتها السلطات اللبنانية. وقال سوري من إدلب كان مع شقيقه من بين المعتقلين في مداهمة 10 أبريل في جونيه الواقعة شمال بيروت، إن الجيش أنزل الرجال في منطقة جبلية في المنطقة العازلة بين الحدود اللبنانية والسورية. وتمكن مع آخرين من العودة إلى لبنان سيرا على الأقدام، بينما قُبض على آخرين، بمن فيهم شقيقه. وأكّد أن آخر اتصال تلقاه من شقيقه كان رسالة صوتية في 11 أبريل قال فيها “أعادونا وأنزلونا في نفس المكان وسيسلموننا إلى سوريا”. ويحاول عدد من السوريين الصمود حتى تنتهي الحملة ضد اللاجئين. وقال لاجئ سوري آخر موجود في البقاع “يخشى الكثير منا أن نكون التالين. شملت الغارة الأخيرة ترحيل ستة من أصدقائي”. وكان لحملة الضغط تأثيرها المقصود بالنسبة إلى البعض. وقالت شابة تعيش في البقاع، إنه بعد مداهمة مخيمها وترحيل عشرات من الرجال، قررت عائلتها العودة إلى مدينة الرقة السورية التي لا تزال خارج سيطرة حكومة دمشق. وتابعت “لا يوجد أمن هناك. ليس لدينا مسكن أو مال. لكننا لا نملك أي خيار آخر”.
مشاركة :