إسطنبول (تركيا) - صدر عن مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، العدد التاسع من مجلة "رواق ميسلون" الذي يتناول موضوع الثورة السوريّة، والربيع العربي عمومًا، من جانب قراءة المآلات والحصائل في الواقع. ويبحث المشاركون في العدد الصادر في 376 صفحة، في الوضعية الراهنة للثورة السورية ومساراتها المستقبليّة، بعد أن طرحت عليهم هيئة التحرير سؤالًا مباشرًا ومثيرًا؛ هل هُزمت الثورة أم ما زالت مستمرّة؟. ويُتوقَّع أن تُثير بحوث العدد ومقالاته كثيرًا من الجدل، والفائدة أيضًا، مع إدراك صعوبة التعاطي مع هذا السؤال من نواحٍ عدّة، لأن النِّقاش حوله، في اللحظة الحاليّة، ما زال محفوفًا بالمخاطر، سواءً من جهة تقديم آراء متسرِّعة حول مسار حدثٍ مركزيٍّ ومآلاته، خصوصًا أنه ما يزال حارًّا وحاضرًا، أو من جهة أنَّ النقاش حوله ما زالت تحكمه، وتتحكَّم فيه، في كثيرٍ من الأحيان، داخل الأوساط السوريّة المعارضة، مواقف ومسلّمات انفعاليّة وتصوّرات متخمة بالتخبّط والضّياع. كتب افتتاحية العدد رئيس التحرير، حازم نهار، وجاءت بعنوان "الهزيمة السوريّة، وما بعدها"، تناول فيها مجموعة من الأفكار الأساسية المتعلقة بهزيمة النظام والثورة معًا، وإنكار الهزيمة من الجانبين، وتفسيرها وتبريرها، فقد كان واضحًا طوال السنوات الماضية، كما يقول، أنَّ "معايير الهزيمة والانتصار بالنسبة إلى النظام والمعارضة السائدة هي واحدة لأنَّ هناك ثقافة سياسيّة واحدة تجمعهما في الحصيلة." وأشار أخيرًا إلى عددٍ من الأفكار الخاصة بمرحلة ما بعد الهزيمة، ورأى أنَّ "كلَّ هزيمة تتعرَّض لها جماعة بشريَّة تعني أنَّ ثمَّة تفكيرًا زائفًا وغير عقلانيٍّ يقبع خلفها، وأنَّ تخطِّيها مشروطٌ بنقد هذا التفكير وإنتاج رؤىً ومقارباتٍ بديلةٍ." وتضمّن ملف العدد خمس دراسات محكّمة. كتب الأولى الباحث راتب شعبو، وهي بعنوان "النجاح والإخفاق في الثورة"، رأى فيها أنَّ هناك إخفاقين متلازمين في التجربة السورية: "ساهم النظام في تغذية النزوع الإسلامي في الثورة وصولًا إلى سيطرة أكثر التنظيمات الإسلامية رفضًا للديمقراطية، والسيطرة الإسلامية ساهمت بدورها في تعزيز بقاء النظام،" لكنّه يشير في الخاتمة إلى أنَّ "التجربة المريرة التي عاشها المجتمع السوري خلال العقد المنصرم، سوف تؤلّف قاعدة ومنبعًا للمزيد من التبصر والتفكير في طرائق التحرر الممكنة. أي أن ما يبدو فشلًا اليوم، ينطوي على قدر من مقدمات النجاح غدًا." وكتب الأستاذ ريمون المعلولي دراسة بعنوان "اتجاهات السوريين نحو واقع الأزمة ومآلاتها"، وقد ركَّزت الدراسة على رصد التغيرات والتحولات التي طرأت على أمزجة السوريّين وميولهم في هذه المرحلة الحساسة من عمر قضيتهم. وتنبع أهمية من جانب أنَّ "ما كان يقينًا في وجدان البعض حيال موضوعات متعلقة بالأزمة: عواملها وخلفياتها، والبدائل الممكنة، والاستقطابات التي فرقت السوريين ومزقت نسيجهم الاجتماعي ودمرت توازنهم النفسي، لم يعد كما كان، فالخبرات المؤلمة التي عاشها أغلبهم، ومآلات الصراع وحيثياته، على المستويات الفردية والعامة، قد حفرت عميقًا في وجدانهم وعقولهم، ما أدى إلى ضمور اتجاهات وأمزجة وعواطف كانت قوية، في مقابل نمو قناعات وعواطف وآراء لم يكن لها نصيب في السنوات السابقة." وكتب جمال الشوفي دراسة بعنوان "الثورة السورية بين الامتداد الواسع والهزيمة و"البارادايم" الصوفي"، حاول فيها "مقاربة معايير تقدّم الثورة بدايةً، ثم انكسارها وهزيمتها، وفق مقارنات متعدِّدة مع نماذج وقراءات سابقة، ومقارنة نقدية لواقع الحالة السورية ومستويات عطالتها الذاتية، وطرح الأطر الممكنة لتجاوزها."، ورأى أنَّ "القوى والفعاليات السورية تباينت محدِّداتها بين أيديولوجية ونظرية ونفعية وتابعة للأجندات الدولية. ولم تدخل -حتى الآن- في مقاربة مفهومية وواقعية لإنتاج مقومات التحول من الثورة والفوضى والهزيمة، للتعاقد العام في مثلث المصلحة المادية العامة والفكر التنويري والقيم الحضارية المنتجة للاستقرار، وشروط التعاقد الوطني واستحقاق الدولة." وكتب الدراسة الرابعة الباحث رياض زهر الدين بعنوان "الثورة العسيرة: تحولات الثورة السورية في ضوء ممارسة المعارضات المنقسمة، والاستراتيجيات الدولية المتصادمة"، وتدرس هذه الورقة البحثية الثورة السورية في ثلاث مراحل "خلال كل مرحلة من هذه المراحل، تغيرت طبيعة الصراع، إذ تحولت من ثورة شعب مكبل بالاستبداد متعطش للحرية إلى حرب أهلية وإقليمية بالوكالة، وبعدها إلى أزمة دولية مزمنة، تكبد الشعب السوري نتيجتها خسائر فادحة، وأصبحت هذه الحرب، الأبشع في فظائعها من أي حرب عرفتها البشرية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية." أما الدراسة الخامسة، فكانت بعنوان "انتفاضات الربيع العربي بين العطب الموضوعي والذاتي"، كتبها الباحث مهران الشامي، وتناولت الدراسة بالتحليل هذه القضية و"وضع كلٍّ نصاب من المسؤولية؛ الموضوعية والذاتية، في مكانه وحجمه، مع ميلها للاعتقاد أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الأحوال الموضوعية؛ العامة والخاصة، التي ولدت هذه الثورات في ظلها وأحاطت بها كالسوار في المعصم؟ ولكن من المؤكّد أيضًا أنّ ثمة مسؤوليات تقع على عاتق الذات، أفرادًا وقوى سياسية وجماعات وحركات؛ مدنية أو مسلحة، تنطّحوا لاحتلال المواقع الأولى في قيادة الانتفاضات هنا أو هناك." وفي باب مقالات الرأي كتب السياسي والكاتب محمد عمر كرداس مقالة بعنوان "الثورة السورية: قراءة في أسباب الهزيمة وما بعدها"، رأى فيها "أنَّ الثورة ستستمر، وأنَّ الثورات لم تكن في يوم من الأيام سريعة الإنجاز؛ ستتحول وتتحول وتمر بمراحل هبوط وصعود، ومع أن شعبنا أصابه الإنهاك من نظامه ومعارضته، ومن المجتمع الدولي الذي أدار ظهره لهذا الشعب المقهور والمظلوم، والذي يستحق حياة حرة كريمة، لا بد أن تتوج نضالات شعبنا بالنصر ولو طال الزمن، فنحن الآن نعيش في القاع ولا بد من الخروج، ولكن لا بدّ من شروط، وبزيادة الوعي، وعي أولًا أنه لن تنجح مقارعة هذا النظام بالسلاح بل بالوعي وبالفكر الواضح والعمل الدؤوب." وفي الملف الخاص؛ تجارب نسوية، كتبت سلوى زكزك مقالة بعنوان "السوريات والثورة؛ تفرعات ثورية نسوية"، رأت فيها أنَّ ثمة علاقة فريدة نمت بين السوريات والثورة "علاقة مصلحية ومتنافرة في الوقت نفسه، كُنّ للمرة الأولى على موعد مع وجود علني وإعلان مباشر لثورتهن، ما الفرق بين حضورهن صامتات أو صارخات؟ إنه فرق كبير، كمن يعاني الخرس، وجاء الوقت ليدرِّب صوته على الصراخ! على الرغم من أن الخرس لم يُعِق صاحبته عن التعبير يومًا، حتى لو لم تجني سوى العبث." وفي باب الحوارات، أجرت مجلة "رواق ميسلون" حوارين مهمّين مهمة، الأول مع بينت شيلر، وهي باحثة ألمانية، ومديرة مكتب الشرق الأوسط لمؤسسة هاينريش بول في بيروت عام 2012، وتحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسيّة ومتخصِّصة بالسياسة الخارجيّة والأمن، وعملت خلال الفترة من 2002 إلى 2004 في السفارة الألمانيّة بدمشق–سورية. وكان الحوار الثاني مع الفنان والشاعر السوري المعروف سميح شقير، تناول انطباعاته عن الأيام الأولى للثورة السوريّة، ومشاريعه الفنية الحالية والمستقبلية. واختارت هيئة التحرير المفكر السوري إلياس مرقص ليكون شخصية هذا العدد، فنشرت له مخطوطة لم تُنشر سابقًا بعنوان "الاشتراكية ضرورة يجب أن توعى، الاشتراكية ليست حتمية"، وكتبت الزهراء سهيل الطشم دراسة بعنوان "إلياس مرقص؛ التأسيس يبدأ بالمفاهيم والوعي الكوني"، بينما كتب مضر رياض الدبس دراسة بعنوان "مفهوم العصر؛ تفلسف على عتبة إلياس مرقص".
مشاركة :