'العاشقان الخجولان' تطرح تساؤلات حول توهّم العشّاق الاغتراب

  • 1/18/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المحبّون هم دائما من لا يفهمهم النّاس، هؤلاء الذين يتخبطون بصفة عشواء، أو تمضي بهم الدّروب في وجهات لا يقبلها المجتمع ومؤسّساته الضّابطة، لهذا فهم يتمرّدون أو يتخلّون عن مشاريع العشق مبكّرا لينخرطوا في السلوك الانقيادي والسياق العام، ربّما هذا ما يفسّر الجهل الذي اكتسى حكاية الحبّ غير الواضحة في رواية إسماعيل يبرير الجديدة "العاشقان الخجولان، متاهة الكائن الحجري المعاصر"، وصدرت عن منشورات دار الحبر في الجزائر ودار الكتاب في تونس ودار صفصافة في مصر والوطن العربي. يسعى يبرير في هذا العمل إلى ملامسة عالما كتابيّا جديدا بالنسبة للسّرد العربيّ، ولكنّه خيار مألوف بالنسبة له ولقرائه، حيث يطرق باب الحبّ وأسئلة الكينونة عبر عصرين مختلفين، كأنّه يحتار إدانة أحدهما أو يقارن الانحدار الذي يمضي فيه الإنسان، ولعلّ القارئ تعرّف على الرّوائي في أعماله السّابقة كاتبا ضدّ الموضوعات السياقيّة، ينتصر مرّة للتصوّف ومرّة للمكان ومرّة للحنون ولكنّه دائم الرّفض للواقع وما يُجبر عليه، فكلّ أبطاله كانوا ماضين في غير وجل نحو الاعتراض والرّفض ولا يكاد احدهم يشكّل نموذجا متاحا في الحياة العامّة، بل هي كائنات أدبيّة خالصة تحقّقها ممكن في عالم الفن أو في زوايا مجهولة من حياة البشر. يقترح إسماعيل يبرير في الحكاية تقاطعات بين مسار البطل محفوظ والصحفيّة شموسة، حيث يلتقيان في فندق حجري بمدينة ما بينما كانت الصّحفيّة في مهمة لتقصّي حقيقة محفوظ الرّجل الغامض، ويتبادل الاثنين الكثير من الحكايات التي تصنع الرّواية وأجوائها الغرائبيّة، يقفز البطل محفوظ إلى العصر الحجري من خلال اللّوحة الحجرية "العاشقان الخجولان" والتي يعتقد أنّها صورته مع حبيبته قبل قرون من الزّمن!.  ويشكو غربته في العصر الحالي ورفضه لكلّ المحيط، وخلال لقاء الرّجل والشابّة لا يحدث الكثير بينهما وفي الوقت نفسه يبدوان كعاشقين خجولين يكتمان حبّهما، ويكتفيان بمؤانسة مغلّفة بالخشية، في محاولة للحفاظ على العلاقة معلّقة وعدم المغامرة بها لتنتهي، وليس بين البطلين شموسة ومحفوظ من يقود أو يسيطر، بل هناك انسجام وحوار يفضي في النهاية إلى الفراق دون أن يبوح أي منهما بحبّة، ودون أن يحملا أي جرد من بعض أو ذكرى مؤلمة، كأنّ الحبّ في هذه الرّواية سلم دون بوح. في القصص المحيطة بالبطلين الكثير من الخيبات، وقصص حبّ جارحة وغير ناجحة، وليس الحبّ وحده ما يصنع صلب النّص، فالرّفض ينطلق من غياب القيمة الحقيقية للإنسان، وتحييده مقابل نشوء معايير غير إنسانية تحدد القيم والتعاملات، هناك متظرفون، قتلة، أبطال مزيّفون وأبناء بلا آباء، وهناك أيضا حيوانات وكائنات كثيرة قد تتحدّث، كالقطط واليرابيع والنباتات، وعوالم بين الخيال والحقيقة، تعيشها البطلة كما البطل، وربما يمكن أن نقرأ هذا كعالم مقابل للواقع القاسي، أو كهرب منه، أو هو طريقة لجأ إليها الرّوائيّ كي يؤكّد أن عاشقيه الخجولين لا ينتميان لهذا العصر الذي لا يرحّب بعشاق ومحبّين سذج. في الحقيقة إنّ الرّواية لا تقول أسباب شعور العشاق بالاغتراب، بل إنّها تكشف أوهام اغترابهم، تلك الأوهام التي يتعمّدها العشاق ليبرروا فشلهم المقبل في حكايات الحبّ، إنّها رواية أخرى عن الإنسان ومشكلاته اليوميّة وصعوبة التحاقه بالسّرعة المفرطة للعصر الرّاهن، رواية جديدة عن الإنسان القديم والجديد.

مشاركة :