أردوغان يلعب على حافة الهاوية

  • 2/17/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

استمع فيصل جلول لا أعرف كيف ستكون حال الحرب العالمية الثالثة لكن ما أعرفه هو أننا قد لا نجد بعدها شهوداً كثراً على الحرب العالمية الرابعة. هذه العبارة ل أينشتاين جديرة بأن تستعاد، غداة تصريحات أطلقها رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف، في سياق النقاش حول الأزمة السورية. إذ أكد أن التدخل البري التركي، قد يؤدي إلى حرب يشترك فيها الجميع أي عالمية مستبعداً في الوقت عينه هذا التدخل، ومحذراً من حرب باردة جديدة بين موسكو والغرب. يمكن مقاربة التدخل التركي عبر قراءتين. الأولى مضمونها أن واشنطن وباريس، تدركان سيرورة الكارثة وتحذر الجانب التركي من أنه سيلعب منفرداً وبلا تغطية أطلسية إن حاول التدخل البري في الأزمة السورية. ولا تخلو هذه القراءة من مصداقية، طالما أن الولايات المتحدة وأوروبا، حملتا الأتراك سابقاً على السماح بتوفير الإمدادات للأكراد في معركة كوباني عين العرب حتى يستعيدوها من داعش، ومن ثم يواصلون المعركة ويستردون مناطق شاسعة كان قد احتلها هذا التنظيم الإرهابي. ما كانت أنقرة في حينه، تريد الانتصار للأكراد على الحدود التركية، حتى لا تتحول المنطقة إلى قطب مستقل ومن ثم إلى قاعدة لدعم التمرد الكردي في تركيا. ولم يقتصر التراجع التركي على قضية كوباني، فقد فشلت حكومة أردوغان في الحصول على تغطية دولية وعلى دعم أمريكي أوروبي لإنشاء منطقة آمنة على طول الحدود التركية مع سوريا، على أن تكون هذه المناطق أسواراً ضاغطة على أكراد سوريا وفاصلة بينهم وبين أكراد تركيا، وتكون أيضاً موقعاً ضاغطاً لتركيا وحلفائها، يوفر قاعدة آمنة للإرهابيين في الشمال السوري، علما بأن المناطق الآمنة مفيدة أيضاً لتدعيم الشريط التركماني السوري الضاغط على اللاذقية. أتاح الفشل التركي تفسيراً للدور الأطلسي في الأزمة السورية، مفاده أن أولوية الغرب بعد تسليم السلاح الكيماوي السوري هي الحرب على داعش، وإسقاطها وهذا يعني عملياً الخروج من لعبة إسقاط النظام من دون إقرار صريح. بالمقابل كان على الروس الذين توسطوا لتسليم الكيماوي السوري، أن يقرأوا جيداً معنى المنعطف الذي ارتسم في كوباني ومعنى الرهان الغربي في سوريا على الأكراد وأن ينتظروا الفرصة الملائمة للتدخل العسكري المباشر وهو ما وقع في الخريف الماضي. بكلام آخر ما كانت واشنطن راغبة منذ اندلاع الأزمة السورية، في تحويل هذا البلد إلى أفغانستان أو عراق، وحددت تدخلها في سوريا تحت هذا السقف الذي أتاح ببساطة التفاهم مع موسكو حول مستقبل سوريا، لا يربح فيه النظام كل الحرب ولا تخسر فيه المعارضة فرصة المشاركة جدياً في حكم سوريا، ولعل الضغط الأمريكي والغربي كان يتركز في هذا الاتجاه، إلا أن الوقائع على الأرض كانت تسير في اتجاه مخالف ومنطقي في آن معاً، ذلك أن ما يصعب تحصيله على الأرض في حرب مفتوحة لا يمكن تحصيله على طاولة المفاوضات. لقد أفصحت جنيف 3 عن هذه الحقيقة الساطعة، في وقت تدخلت داعش على نطاق واسع للتصدي للذين جعلوها أولوية في الحرب، فضربت فرنسا مرة ثانية بقوة وضربت تركيا بقسوة، وعززت بالتالي التوجه الاستراتيجي للأطلسي وللغرب في أن الأولوية هي للحرب على داعش، وما تبقى لا يعدو كونه تنويعات لغوية لا قيمة عسكرية لها على الأرض، وهذا يعني أنه لا يمكن لتركيا أو أي طرف آخر تغيير قواعد لعبة رسمها الكبار. القراءة الثانية تبدو افتراضية إلى حد ما، لكنها لا تخلو من الجدية، ومفادها أن اللعب في الأزمة السورية يمر عبر تركيا والأردن، أي عبر حليفين موثوقين للولايات المتحدة. وفي حين كان الحليف الأردني يتصرف انطلاقاً من قراءة واقعية للاستراتيجية الأمريكية، والدليل أنه لم يسع لتعطيل التقدم السوري في ريف درعا، على الحدود السورية الأردنية. كان الحليف التركي عاجزاً عن استيعاب نتائج الاستراتيجية الجديدة التي تعني ببساطة، ليس فقط خسارة الرهانات التي عقدها على سوريا ومن خلالها على المشرق العربي برمته، ولعل هجومه الكاسح والمستمر على مصر، كان يحمل هذا المعنى وتحالفه مع الإخوان المسلمين كان له هذا الغرض، إذاً لم تكن الاستراتيجية الجديدة تنطوي على خسارة الاستثمار التركي في الأزمة السورية فحسب، بل انتقال النتائج السلبية للحل السياسي لهذه الأزمة إلى الأراضي التركية نفسها، ومعنى ذلك أنه بدلاً من المنطقة الآمنة التي كان أردوغان يريدها لحماية حدوده من داخل سوريا، صار مضطراً للقبول بقواعد آمنة لأكراد سوريا، الذين يستندون إلى الدعم الغربي على حدوده، فضلاً عن النتائج الكارثية لتفكيك داعش في سوريا، وارتداد أقسام منها نحو تركيا وبخاصة آلاف الأتراك الذين عملوا مع هذه المنظمة واكتسبوا خبرات سيعودون بها إلى بلادهم، فضلاً عن رفاقهم من جنسيات أخرى، لن يكون بوسعهم اللجوء إلى أي مكان آخر غير تركيا. في هذا السياق يمكن أن نفهم ردود فعل أردوغان السلبية، ومزاجه المتعكر بل محاولته توريط حلف الأطلسي في حادثة إسقاط الطائرة الروسية، ومساعيه الجديدة للتدخل العسكري البري في سوريا، وبالتالي وضع حلفائه الغربيين في مواجهة الكارثة. يلعب أردوغان على حافة الهاوية لعبة يائسة، تقوم على استدراج واشنطن لتغيير استراتيجيتها في الحرب السورية ولعله يراهن على الوقت وعلى تغيير أهم ما تحمله الانتخابات الأمريكية وعلى الإفادة من خاسرين آخرين في الحرب السورية... لكن رفضت واشنطن ومعها باريس هذا الاستدراج التركي. في ظل هذه الاحتمالات الصعبة والطرق المسدودة ربما على أطباء أردوغان العمل على حمايته استباقياً من أزمة قلبية أو انهيار عصبي. fjalloul3@yahoo.fr

مشاركة :