ما كان لأي راصد لمسيرة النجم الكبير محمد نور يتمنى له هذا النهاية المأساوية بأن يُدان بتعاطي المنشطات، فقد كان لاعباً ملهماً منذ أن لامست قدماه العشب، فلم ينكر نجوميته حتى المناوئون له، وكانت القلوب تتراقص على مهاراته، والأحاسيس تتمايل لقتاليته، وعلى الرغم من الاختلاف على بعض سلوكياته داخل الملعب وخارجه إلا أنا أحداً لم يختلف على أنه قيمة فنية قلّ مثيلها في الملاعب السعودية. لاعب مثل محمد نور بما قدم وأنجز وبما يملك من قاعدة جماهيرية عريضة بين الاتحاديين وغيرهم كان يستحق نهاية حالمة تليق باعوام عطائه، أتخيل الآن أن استاد مدينة الملك عبدالله وقد لبس في يوم اعتزاله اللون "الأصفر" مزداناً بالرقم 18 الذي طرز بخيوطه السوداء المكان الذي غص بمن جاءوا يبكون رحيله من كل مدينة وقرية، فيما هو يلف حول الملعب ملوحاً بالوداع الأخير باكياً مع عشاقه ساعة الفراق. كان ذلك المشهد هو أقل ما كان يليق به أسوة بنجوم بحجم ماجد عبدالله وسامي الجابر ويوسف الثنيان لكنه اختار بنفسه أن يكون الوداع بتلك الصورة المشوهة التي لا يتمناها أي لاعب فضلاً عن أن يكون نجماً بحجمه، فقد أدخل نفسه في أعشاش الدبابير وظل يعيش داخلها حتى يومه الأخير، ولا زال يبحث عن خيط دخان لبطلان قرار إدانته. أكبر مشكلة عانى منها نور أنه لعب دور البطل الخارق الذي بإمكانه أن يسيّر إدارات بأصبعه، وأن يطيح بأخرى بكلمة منه، وأن يقصي هذا ويأتي بذاك فالكل رهن إشارته، وتحت إمرته، وقد فعل فعلاً غير مرة، مع مجالس إدارات، وإداريين، ومدربين ولاعبين، بل حتى مع أعضاء شرف، وقد نسي في لحظة انتفاخ بأنه مجرد لاعب داخل الملعب مطلوب منه أن يستجلب الفرح لتحمله الجماهير على أعناقها. مارس نور تمرده حتى على سنن الحياة وحكم الواقع وظل يعتقد أنه النجم الأول بلا منازع حتى وهو يصبح الرفيق الحميم لمقاعد الاحتياطيين، وجاءته الفرص غير مرّة وهي تحبو تحت قدميه ليعتزل وليحفظ ما قدم من انجازات وإبداع في وجدان محبيه وخزائن التاريخ الرياضي، خصوصاً وأن خريف عمره الرياضي بدأ يقذف أوراقه، وكان آخرها انتقاله للنصر ومساهمته معه في تحقيق بطولة الدوري بعد السنوات العجاف، وكان السيناريو محكماً لنهاية جميلة بعد أن كان مرشحاً لنهاية مؤلمة حين تم تنسيقه من إدارة الفايز وخرج من الاتحاد يومها منكسراً لكنه ظل يركل كل تلك الفرص غير آبه بالأمر الواقع. أبى نور إلا أن يلعب على حافة الهاوية كما كان يفعل طوال حياته الرياضية حين عاد للاتحاد من جديد، ولكن ليس بدور النجم وإنما بدور صاحب الثار، فكان لعبة انتخابية بامتياز وقد نجح في تأدية الدور ببراعة فائقة، ومن غيره يمكن أن ينجح فيه كما نجح في كثير من الأدوار التي لعبها خارج الملعب، لكنه لم يدرك أن تلك المسرحية ستكون هي الأخيرة في ظهوره كبطل على مسرح الأحداث الاتحادي فورقته انتهت صلاحيتها بانتهاء الانتخابات ليعيش كفرس سباق ينتظر رصاصة الرحمة وقد جاءته للأسف، لكنها لم تكن رصاصة رحمة أبداً!.
مشاركة :