التطرف عطل انتخابات الأندية الأدبية والأكثرية أيدوا تجميدها

  • 2/17/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من خلال مسيرة طويلة ومعرفة بتفاصيل نشأة الأندية الأدبية منذ 4 عقود، يكشف الباحث في الشأن الثقافي عبدالله بن محمد الشهيل بعضا من محطات هذه المؤسسات التي لا زالت تثير الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض. ومن أبرز ما كشف عنه الشهيل لـ"الوطن" أن قوة حدة التطرف واشتداد الخلافات بين من وصفهم بعباد الحداثة، ومقدسي التراث، السبب الأول لتجميد انتخابات الأندية الأدبية في بدايتها. كذلك يرصد الشهيل بعض ما يعاب على أول نظام للأندية الأدبية مثل عدم مشاركة المرأة في مجالس إدارات الأندية وعدم مراعاة الأحجام الروحية والسياسية. والجغرافية والديموجرافية بين المدن والمناطق، فماذا قال الشهيل؟. البدايات بعد العدول عن سوق عكاظ لسبب يبدو أنه معروف تقدم مجموعة من الأدباء الرواد إلى الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز حين كان - رحمه الله - رئيسا عاما لرعاية الشباب، تقدموا بطلب تضمن "رغبتهم في منابر ثقافية دائمة، فاستجاب لطلبهم الذي رفعه للمقام السامي فوافق عليه، فتشكلت لدراسة هذا الطلب لجنة برئاسة الأمير فيصل، وأذكر من بين أعضائها الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله -، والدكتور منصور الحازمي التي أسفرت دراستها عن أندية أدبية ثقافية تتمتع بشخصية اعتبارية أهلية تديرها مجالس إدارة منتخبة من جمعيات عمومية كل أربع سنوات. كانت مجالس إدارتها في سنينها الاثنتي عشرة الأولى من عمرها لثلاث دورات منتخبة من جمعيات عمومية في المناطق التي تقرر إقامة أندية فيها توافرت في أعضائها الشروط المنصوص عليها بالنظام العام للأندية الأدبية، وكانوا من الأدباء والكتاب المعروفين، وفي مقدمتهم رواد وقامات فكرية وأدبية، وأكاديميون وتربويون مرموقون، حيث أُنتخب معظم هؤلاء الرواد والقامات أعضاء في مجالس الإدارة، زاملهم فيها فاعلون من أساتذة الأجناس الأدبية في الجامعات، وبعض المشهود لهم بالعلم والفضل، والأدباء والكتاب المعروفون، وبعضهم حينها شباب نشطاء وأعين. كان أكثر أعضاء هذه المجالس بكل الأندية من الذين اكتسبوا خبرات إدارية ومالية وبعض ما يتخذ من الإجراءات المطلوب اتخاذها في القطاعين العام والخاص وبعضهم ظلوا في العديد من النوادي الأدبية، إما أعضاء في المجالس والجمعيات العمومية وإما مستشارون وإما متعاونون إلى أن حان وقت إلحاق الثقافة بوزارة الإعلام - رحم الله الراحلين -، ومد في عمر الأحياء. تزامن قيام الأندية مع الطفرة التي شهدتها البلاد منتصف العقد السابع من القرن العشرين الميلادي وما بعده ببضع سنين التي غيرت كثيرا من إيقاع الحياة وأشكال الحركة في أثنائها انصرف جل أفراد المجتمع عن كل ما فيه المصلحة العامة وذلك بالسعي المحموم خلف الربح المريح فصعد كثيرون من محدثي النعمة وأكثرهم بنقصهم الوعي بالمسؤولية الوطنية وقد توارى آخرون ولكن معظم الذين نفختهم الطفرة سرعان ما تورطوا في قضايا غير مشروعة فكان مصيرهم إما السجن وإما الإفلاس ولكنها على أي حال كانت فترة تخللتها تجربة قد ينتفع من رصد سلبياتها. من المراوحة للنهضة في البدايات راوحت نشاطات الأندية الأدبية بين الضعف الشديد والضعف لبعض الوقت الذي لم يطل كثيرا حتى تحسنت قليلا ولم يمض كثير وقت حتى ارتفعت النسبة إلى الوسط واستمر الصعود إلى جيد وجيد جدا وبالعمل الجاد والفكر الناهض وتبادل الخبرات والانفتاح والتعاون بلغت أربعة منها مستوى الامتياز بل أحدها تخطى حتى درجة الامتياز إلى حد تفوقه على نظيراته في أهم البلاد العربية وجمعيها رغم تواضع إمكاناتها غطت المطلوب منها وبعضها زاد وإن بنسب متفاوتة فقد أكدت كلها حضورها وكانت مساهماتها بالتوعية والتثقيف واضحة ومن خلالها برزت مواهب كثيرة وبرز مبدعون نوعيون فحققت وهذه حالها قبل دعمها بمكرمتين ملكيتين بعشرات الملايين والتبرعات لها بالملايين والرعايات بمئات الألوف. لقد مضت ولم تستسلم للتحديات لأن الذين يديرونها كانوا بخبراتهم ووعيهم وبحالة العشق المعرفي التي يعيشونها اجتازوا بأنديتهم إن بالكم والكيف المحدودية واحضروها فاتحة لحراك ثقافي عام ومنها ما أطر الذين يديرونها دانيتها ضمن المنظومة الثقافية العامة بالتأثر اللاتبعي والاستفادة الهاضمة فاستطاعت التغيير والتجديد والارتياد والاستشراف من غير التفريط بالذات أو الانسلاخ عن الجذور فعرفت عربيا ونظر إليها كروافد ثقافية غزيرة العطاء فتكثف حضور مناشطها المنبرية والإقبال على قراءة إصدارتها ويبدو أن هذا ما دعا أكثر من ناد إلى إضافة الثقافة إلى اسمه وعنوانه. إن أحد الأندية عمت إصدارته من الكتب والدوريات والمجلات كامل مساحة الوطن العربي لجمعها بين القديم والحديث والتراث والمعاصرة والخاص والعام والمغرب والمترجم وكل ما هو دسم وظريف وامتازت بالجرأة والحيوية والتعدد والتنوع والجدة والعمق والقيم والإبداع وقد أثارت جدليات فكرية وتجلببت بالبهاء والجمال وحظيت بالاهتمام والإعجاب. النظام العام قد يعاب على النظام العام للأندية الأدبية في بداياته عدم إعطائه المرأة حقها بدخول مجلس الإدارة ولكنها لم تغب عن مناشط الأندية مستمعة ومداخلة ومحاضرة وشاعرة وقاصة ومحاورة وكاتبة في مجلاتها ودورياتها ومؤلفة ومُحكمة ومستشارة ومنسقة في زمن كانت ظروفه مختلفة ومعطياته لم تكن قد بلغت ما بلغته اليوم. ومما يؤخذ عليه أنه لم يراع الأحجام الروحية والسياسية والجغرافية والديموجرافية بين المدن والمناطق، فمثلا منطقة الرياض رغم كونها أكبر المناطق مساحة وأكثرها سكانا وتقع فيها عاصمة البلاد لم تمثل إلا بناد واحد وكذلك مساواتها في الإعانات فمدن مثل مكة والمدينة والرياض وجدة مدن كبرى في المعايير العالمية ولعل واضعي هذا النظام قصدوا من ذلك عدم إثارة الحساسيات وفي نظري فإن مراعاة الأحجام ضرورة معمول بها في كل أنحاء العالم ولكنه على ما يبدو عدا هذين المأخذين كان متسقا بنسبة جيدة مع ما كانت تستدعيه الأوضاع حينذاك. لقد عين النظام الأهداف والشروط والصلاحيات ونوعية المشاركات الداخلية والخارجية ومنح الأندية حرية التنسيق والتعاون بينها وبين مختلف الكيانات الشقيقة والصديقة ودعوة من تراه مناسبا في أي مكان ولمجالس إدارتها حق إقامة معارض الكتب والأسابيع الثقافية والدورات المختلفة وتلبية الدعوات وإصدار اللوائح التي تنظم شؤونها والدوريات والمجالات وشراء وبيع الكتب وترجمة إصداراتها إلى اللغات الأجنبية وهذه للعربية والاشتراك في أي إصدار ثقافي بالعالم من أي مكان وبأية لغة كل ناد بحسب إمكاناته وقد أعطاها النظام رقابة مطبوعاتها دون الرجوع للجهة المختصة بوزارة الإعلام. مصادر الدخل أبصر واضعو نظام الأندية طبيعة الثقافة وماهيتها من البداية بأن الأندية الأدبية أول فعل ثقافي خارج التعليم بشرعية رسمية وشعبية بمؤسسة أهلية وفق نظام رحابته محفوفة بالمسؤولية ولا يضيق سريعا بالمتغيرات فتمتعت به الأندية بشخصية اعتبارية رفعت عنها العوائق الإدارية والمالية لأنه تقرر أن تكون المساعدات المالية الحكومية بموجب هذا النظام للأندية على شكل إعانات لا ميزانية بهدف تسهيل صرف النادي على نشاطاتها من غير تعقيد أو تأخير ما دام في الأوجه المحددة ولم يحدث على مدى مسؤوليتي عن الإدارة العامة للأندية الأدبية أن حدثت مخالفة استدعت مساءلة أو رفعت شكوى عن الذمة المالية في الأندية. كان عدد الأندية عند البدء سبعة وقبيل انتقالها لوزارة الإعلام بلغ عددها ستة عشر علما بأن الإعانة ابتدأت بمئتين وخمسين ألف ريال لكن يبدو أن هذا المبلغ مجرد إعانة لأن الأندية معتبرة من الفعاليات الأهلية التي دخلها يمتد إلى التبرعات والرعايات واشتراكات أعضاء الجمعيات العمومية للأندية ومبيعاتها من الكتب والدوريات والمجلات التي تصدرها بيد أن التبرعات كانت نادرة والتبرعات معدومة واشتراكات الأعضاء برغم رمزيتها وسنويتها بحيث لا تؤثر على دخل العضو فقد يشكل المجموع للأندية دخلا لا بأس به غير أنها للأسف لا تكاد تذكر وإصداراتها كان الإقبال عليها في غاية الضعف. قبيل انتقال الثقافة من رعاية الشباب إلى وزارة الإعلام تراوحت الإعانة الحكومية السنوية الدائمة بين المليون والمليون والنصف وقد تصل إلى المليونين في حالات قليلة إن بقدر كم وكيف كل ناد في نشاطه أو حاجته للزيادة لترميم المبنى أو أن أحد الأندية شرع ببناء مقرٍ له على الأرض الممنوحة له من الدولة بعد تكفل شخص ما التبرع بالبناء. الانتخابات دامت الانتخابات لأكثر من ثلاث دورات أي ما يقارب ثلث المدة التي سبقت اتخاذ قرار تجميدها بعد وضوح قوة حدة التطرف على مختلف الصُعد واشتداد الخلافات اشتدادا فتح هوة واسعة وبعيدة القرار لكل ما هو سائد ومشاحنات بين عباد الحداثة ومقدسي التراث فنشب صراع رؤى أن الحيلولة دون تفاقمه قرار التجميد وذلك على ما يبدو بأن الذين اتخذوه هدفهم منع حدوث الانقسامات ما قد يؤدي إلى فصل الأجيال عن بعضها وتفشي فصامات ثقافية خطيرة. انقسم المثقفون حول قرار التجميد بين مؤيدين ومتحفظين وقلة كانت معترضة وكان مؤيدو القرار أكثرية ولكنهم بطول مدة التجميد تقلص كثيرا عددهم معتبرين أن التجميد أصبح طوله معطلا للأفكار الجديدة والتطوير ومن هؤلاء رؤساء أندية وأعضاء مجالس إدارة وبعضهم استقالوا معللين استقالاتهم بأنه لم يعد لديهم ما يقدمونه وأنه لابد من المزيد بالشباب وهذا صحيح فالإضافات لا حدود لها والأفكار الفاعلة تحتاج إلى خبرة والشباب مطلوبون ولكن لا يبدو أن التجديد يحتكره عمر دون غيره من الأعمار وإن طلبت حيوية وهمة الشباب فبعض المعميرين فكرهم متجدد وتجربتهم تثري فعلهم. والخلاصة على مدى مدة التجميد كانت جميع النوادي خلافاتها إذا لم تحتو بين أعضاء النادي بالتفاهم ولم يبلغنا منها ما كان مستعجلا يستدعي الرفع عنه للرئيس العام لرعاية الشباب سوى مرة سويت قبل الرفع وهذا ما عشته وتابعته بحكم مسؤوليتي السابقة. وكلمة حق لابد من إعلانها وهي أن الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - لم تغادر تفكيره حيث كان رئيسا عاما لرعاية الشباب طيلة مدة التجميد وكان قبل وفاته قد عزم إلى العودة للانتخابات بالتدريج أولا في المدن الكبيرة بحيث لا تطول حتى تعم كل المناطق.

مشاركة :