«من المتعارف عليه أن الدراما المرئية تقوم على مبدأ إعادة صياغة الفعل الواقعي ماضياً أم آنياً في بناء جمالي يتأسس داخل السياق الاجتماعي القائم ويستهدف التأثير في المجتمع الحي فيخاطب جمهوراً يعرفه ويكون حاضراً في هذا البناء الجمالي بزمنه وقيمه». هذا ما يوضحه الناقد الفني حسن عطية، أستاذ الدراما ونظريات النقد في أكاديمية الفنون، في كتابه الجديد «الدراما التلفزيونية... تحضير التاريخ... تأريخ الحاضر» الصادر عن الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة. ويقول المؤلف: «الدراما تبني على حدث في الزمن الحاضر وتصاغ وقائعه داخل حبكة تشكل الحركة الظاهرية الممنطقة من بداية التلقي حتى نهايته، ويتفجر الحدث الدرامي في علاقته بالحبكة داخل بناء درامي متكامل عبر مسارات ثلاثة، فقد يندلع دونما انتباه لحدوثه أو بسعي دؤوب لإخفاء آثاره قبل بداية الحبكة الدرامية. ولكن يظل الحدث ساكناً حتى تثيره رياح غير مواتية لصانع الحدث فينفجر مطالباً الكل بمواجهته حتى ينتهي النهاية المرجوة بإزالة سبب وقوع الحدث أو معاقبة مرتكبه أو الرضا عنه بالعفو واستيقاظ الضمير أو تدخل إرادة سماوية لإنهائه». ويتابع عطية: «اهتمت الدراما التلفزيونية بإعادة صياغة التاريخ سواء بشخصيات إعلام وسيرهم الحياتية أو بفترات زمنية من دون أن يقتصر هذا الاهتمام على تقديم التاريخ كما هو وكأن صاحبه مؤرخاً للأحداث أو باحثاً في مجريات أمورها، بل باعتباره عملاً فنياً يتكئ على التاريخ ليقدم للحاضر رؤيته للتاريخ والراهن معاً. فالتاريخ ليس زمناً مضى وانتهى بل هو عائش فينا وقابع في هويتنا، والمبدع الدرامي هو شخصية فاعلة في المجتمع ينقل له أحداث الأمس ليشارك معه في تغيير أوضاع الحاضر، يتقدمه بالفكر من دون أن يتعالى عليه ويسايره في الذوق من دون أن يهبط معه في القاع». ويرى المؤلف أن الدراما عرفت منذ القدم فكرة اللعب على التشابه بين الشخصيات، وهي فكرة تستخدم خارج الفعل الدرامي بما يعرف بالبديل أو الدوبلير الذي يحل محل البطل في تصوير المواقف الخطرة، وإن لم يشترط التشابه الكامل وإنما مجرد الملامح الجسدية الخارجية. ويقول: «اللجوء للفانتازيا لا يعني أبداً الهروب من الواقع وتقديم عوالم خيالية لا علاقة لشخصياتها بهموم الواقع وقضاياه بل هـــو مجرد معالجة لهذه الهموم والقضايا ربما بصورة أعــمق وأعلــى صوتاً وأن تخفت بأقنعة الفانتازيا الشفافة، بينما تتميز الدراما البوليسية المحبوكة جيداً بعنصر التشويق القائم على الكر والفر بين الطرفين المتصارعين وكلما تمت تقوية كل طرف أو فريق بعناصر الذكاء وأسباب الصراع ومبررات المطاردة زاد شغف المتلقي في المتابعة». ويختتم عطية، قائلاً: «يدرك المبدع الواعي غير المتعصب لأعماله أن ما يبدعه مهما تقدم به العمر ليس الأفضل في ساحة الإبداع وأن طرحه لما يبدعه على القراء والمشاهدين سيخضع للتحليل والتفسير والتقويم بل والاختلاف على ما أبدعه، فالإبداع الإنساني ليس نصاً مقدساً بمقدار ما هو عمل جمالي قابل للتحاور حوله والاختلاف عليه».
مشاركة :