الحنين إلى الماضي أو «النوستالجيا»، هل يُعد هروباً من الواقع المعاصر بمشكلاته وتعقيداته، أم لحظات تأمل عميقة تعود بالذاكرة إلى براح النفس وتعيد لها رؤيتها المتوازنة؟ هذا ما يجيب عنه الكاتب أشرف مفيد في كتابه «ارجع يا زمان... الحنين للماضي حكايات لا تنتهي»، الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. يذكر مؤلف الكتاب في المقدمة: «حينما كنت صغيراً كانت أشياء كثيرة تحدث أمامي، وتصرفات غريبة لم أكن أعرف لها تفسيراً واضحاً في ذاك الزمان، الذي كان زاخراً بكل ما هو جميل وبريء بالخير والتسامح، زاخراً أيضاً بمن كانت قلوبهم عامرة بالطيبة والنقاء، لكن الآن ومع مرور كل تلك السنوات أصبحت أتذكر هذه الأشياء بمناسبة ومن دون مناسبة، ربما يكون ذلك نوعاً من الحنين إلى الماضي، الذي يطلق عليه علماء النفس والاجتماع (النوستالجيا) أو ربما يكون هذا (التذكر) مجرد وسيلة للهروب من (الواقع) كلما حاصرتني جفوة الحياة العصرية وجفافها بمفرداتها القاسية، فأجدني على الفور ومن دون أن أشعر أفر من الحاضر المؤلم المرهق الذي أصاب قلبي بوجع غير مبرر، ليس هذا فحسب، بل إن هذا الحاضر (المرتبك المربك) سبَّب لي كثيراً من الأزمات الصحية، فأصبح منطقياً أن ألوذ، وبمحض إرادتي، بأحضان تلك الأيام الحلوة التي مضت، رغم يقيني أنها لم ولن تعود بأي حال من الأحوال، فكيف تعود وقد تبدلت ملامح كل شيء، ولم تعد سوى مجرد أطلال وبقايا أماكن ووجوه توارت ملامحها في نتوءات الذاكرة أيضاً بعد أن توحشت الحياة العصرية التي أفسدها هوس التكنولوجيا الحديثة التي غيَّرت كل شيء جميل، وأحالت البشر والحجر، معاً، إلى أطلال تحمل بين جنباتها (ذكريات) تبدو في كثير من الأحيان لا لون لها ولا طعم ولا رائحة». ويضيف: «لذا، فإنني حينما قررت في هذا الكتاب العودة بالذاكرة إلى ذاك الزمان الذي ولَّى، فقد أردت فقط (التعلق) بأهداب ذكريات أيام جميلة قد يجد فيها القارئ بعضاً من متعة أو بعضاً مما يفتقد، بل ربما حينما تهب عليه روائح الزمن الجميل، فإنها تمنحه القوة والقدرة على التعامل مع هذا الواقع الذي نعيشه بحلوه ومُره، وربما يكون زاداً يعينه على مقبل الأيام، التي تبدو أمراً في منتهى الصعوبة، ولسان حالي في تلك الأجواء يردد ما شدت به (كوكب الشرق) أم كلثوم من قبل، وهي تقول: (عايزنا نرجع زي زمان... قول للزمان ارجع يا زمان)».
مشاركة :